القاهرة، عبده مغربي
تشهد مصر حالة من التحديات الاقتصادية الخطيرة نتيجةً لتزايد ظاهرة تهرب الشركات الكبرى من دفع الضرائب، مما يسفر عن تأثيرات سلبية ملموسة على الاقتصاد المصري. يعتبر هذا الأمر تحديًا جديًا يتطلب التصدي له بشكل فوري وفعّال، بعدما طالعته جريدة البلاغ من مستندات تكشف تلاعب خطير في الاقرارات الضريبية التي تقدمها واحدة من كبريات شركات المقاولات في مصر إلى مصلحة الضرائب وهي شركة “كونكريت بلس”
هذا وتعد ظاهرة تهرب الشركات من الضرائب ضربة كبيرة للاقتصاد المصري، حيث تُقدر الخسائر الناتجة عن هذه الظاهرة بمليارات الجنيهات سنويًا. ويؤدي تخطي الشركات للالتزام بالضرائب إلى نقصان الإيرادات الضريبية التي تعتبر هامة لتمويل المشروعات الحكومية وتحقيق التنمية المستدامة.
تأثير عدم المساواة
وتزيد تلك الظاهرة من فجوة الثروة بين الطبقات الاقتصادية، حيث يتحمل المواطن العادي عبء دفع الضرائب بشكل أكبر، بينما تستفيد الشركات الكبرى من استراتيجيات تهرب ضريبي. بما يعمق الانقسام الاقتصادي ويضر بالاستقرار الاجتماعي، ويشكّل في مجمله مناخًا ثوريًا ناقمًا على نظام الحكم في البلاد
الحاجة لتشديد الرقابة
من أجل مواجهة هذا التحدي، يتعين على الحكومة المصرية تشديد الرقابة على تحصيل الضرائب وتطوير السياسات الضريبية بما يتناسب مع التطورات الاقتصادية الحديثة. كما ينبغي تعزيز الرقابة على ملفات شركة كونكريت بلس التي اطلعت جريدتنا على وثائق غاية في الخطورة تكشف تهرّبها من الضرائب بمبالغ مليونية، بلغ ما أمكن حصره حتى الآن حوالي ثلاثة أرباع المليار جنيه.
وبحسب هذه المستندات فإن الأقرارات الضريبية التي قدمتها “كونكريت بلس” عن اعوام 2020 و 2021 و 2022 بها اعمال تدليس كبيرة، كان الهدف من ورائها التهرب من دفع الإلتزامات الضريبية على الشركة، واطلعت جريدة البلاغ على أرقام شيكات لمستخلصات أعمال لصالح شركة “إم تي” المملوكة لنفس أصحاب “كونكريت بلس” وبعد مطابقتها لكشف حساب بنكي لصالح الشركة تبين أن هذه المعاملات غير معتمدة في ميزانية الشركة.
هذا ويواجه أصحاب شركة “كونكريت بلس” الذين يملكون كذلك شركات “إم تي” و “بمكو” تهم التهرب الضريبي عن أعمال تزيد قيمتها عن 30 مليار جنيه، في ملفات عن تعاقدات بين “كونكريت بلس” و “بمكو” في مجالات الأعمال الكهروميكانيكا بقيمة 6 مليارات جنيه، على مدار 3 سنوات، بعدما تبين أنه لم يتم دفع هذه القيم المتفق عليها بين الشركتين. وبعدما تأكد لعناصر التحقيق أن الأعمال التي تتم باسم شركة “بمكو” تقوم بها نفس العناصر البشرية لشركة “بمكو” ولكن تحت إسم “كونكريت”.
وكشفت مصادر قريبة من جهات التحقيق أنه في ظل تحديات الاقتصاد المصري، كان يجب على موظفي مصلحة الضرائب العمل بشكل حازم مع أصحاب شركة “كونكريت بلس” لمواجهة تهربها من الضرائب لضمان استدامة النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة. بما يدعم الجهود المشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتعزيز العدالة الاقتصادية.
ويقول مصدر في شركة إم تي أن علاقات بارزة تجمع بين قيادات في الشركة ومسئولين بارزين في مجلس الوزراء كانت السبب في تراخي اعمال الرقابة المفترضة على ميزانيات الشركات الثلاث في مصلحة الضرائب،
وبحسب المصدر فإن القضية كشفت عن أن وزارة المالية تعيش حالة من التقهقر الواضح نتيجة لتراخي وتقاعس موظفي الضرائب في تنفيذ دورهم الحيوي في رقابة ميزانيات الشركات الكبيرة. فالتقصير الواضح في تفتيش ومراقبة الالتزام الضريبي لهذه الشركات أسفر عن هدر كبير في الموارد المالية للدولة، حيث تجاوزت تلك الشركات الحواجز المفروضة عليها دون وجود أي تدابير رادعة.
وتُعَدُّ هذه الغيابات الرقابية عاملاً مباشراً في تراجع الحصيلة الضريبية للوزارة، مما يلقي بظلال كبيرة على قدرتها في تمويل مشروعات التنمية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي بالبلاد. وقال المصدرأن هذا التراخي ألحق خسائر هائلة تفوق التصور في مصلحة الضرائب،بشكل يسارع التأثير السلبي لتلك الإهمالات على الحصيلة الضريبية، وقال المصدر إنه يتوقع أن تفجر هذه القضية أزمة مالية خانقة في “كونكريت” و “بمكو” وإم تي” الملوكة لنفس الأفراد.
وبحسب نفس المصدر فإن وزارة المالية تحتاج بشكل فوري إلى إعادة تقويم استراتيجياتها وتعزيز جهود رقابتها لضمان الامتثال الكامل للشركات الكبيرة بالتعهدات الضريبية السليمة، وتقديم العقوبات اللازمة للمخالفي.