كشف الصحفي الصهيوني يوسي ميلمان، عن مجزرة راح ضحيتها ما لا يقل عن 20 جنديا مصريا في حرب عام 1967.
وذكر “ميلمان” في سلسلة تغريدات له على حسابه بموقع التدوينات القصيرة “تويتر”، أن الجنود المصريين تم حرقهم أحياء ودفنهم جيش الاحتلال الإسرائيلي في مقبرة جماعية بدون علامات قرب القدس.
إلى ذلك نشر الموقع الإلكتروني لصحيفتي “يديعوت أحرونوت” و”جيروزاليم بوست” الإسرائيليتين تفاصيل مشابهة لما ذكره “ميلمان”، فقد كتب ميلمان: “بعد 55 عاما من الرقابة الشديدة، يمكنني أن أكشف أن ما لا يقل عن 20 جنديا مصريا قد أحرقوا أحياء ودفنهم الجيش الإسرائيلي في مقبرة جماعية، لم يتم وضع علامات عليها، ودون تحديد هويتها، مخالفا لقوانين أسرى الحرب، في اللطرون (قرب القدس)”، مضيفا: “حدث ذلك خلال حرب 1967”.
وحول أسباب تواجد الجنود المصريين في تلك المنطقة، أشار ميلمان إلى أن الرئيس الاسبق جمال عبد الناصر، كان قد وقع قبل أيام من نشوب الحرب، اتفاقية دفاع مشترك مع ملك الأردن الحسين بن طلال، الذي كان يسيطر على الضفة الغربية.
وقال ميلمان: “نشرت مصر كتيبتين من الكوماندوز في الضفة الغربية بالقرب من اللطرون.. كانت مهمتهم هي الهجوم داخل إسرائيل والاستيلاء على اللد والمطارات العسكرية القريبة”.
وأضاف ميلمان: “وقع تبادل إطلاق النار مع جنود الجيش الإسرائيلي وأعضاء كيبوتس نحشون (تجمع زراعي تعاوني) وتم أسر بعضهم”.
وتابع: “عند نقطة معينة، أطلق الجيش الإسرائيلي قذائف هاون وأضرمت النيران في آلاف الدونمات غير المزروعة من الأحراش البرية في الصيف الجاف”.
وتابع : “مات ما لا يقل عن 20 جنديا مصريا في حريق الأحراش”.
ونقل الصحفي الإسرائيلي عن زين بلوخ (90 عاما) القائد العسكري لكيبوتس نحشون قوله: “لقد انتشر الحريق سريعًا في الأدغال الحارة والجافة، ولم يكن لديهم فرصة للنجاة”.
1/7 Breaking News: After 55 years of heavy censorship, I can reveal that at least 20 Egyptian soldiers were burnt alive and buried by IDF in a mass grave, which wasn't marked&without being identified contrary to war laws, in Latrun. It happened during the Six Day's War>>> pic.twitter.com/mMe3LGIAoz
— Yossi Melman (@yossi_melman) July 7, 2022
وأضاف بلوخ: “في اليوم التالي جاء جنود من الجيش الإسرائيلي مجهزين بجرافة إلى مكان الحادث وحفروا حفرة وقاموا بدفن جثث الجنود المصريين وغطوها بالتربة”.
وأوضح الصحفي الإسرائيلي: “بلوخ وبعض أعضاء (كيبوتس) نحشون شاهدوا برعب الجنود الإسرائيليين ينهبون الممتلكات الشخصية للجنود المصريين ويتركون المقبرة الجماعية بدون علامات” وأشار إلى أن الوثائق العسكرية الرسمية غير السرية، تحذف “مأساة اللطرون من سجلاتها”.
يشار إلى أن اللطرون تقع على الطريق الواصل بين القدس المحتلة ويافا، وتبعد نحو 25 كيلومترًا غرب القدس، وعقب حرب عام 1948، تم الاتفاق بين كيان الاحتلال الإسرائيلي والأردن على جعلها منطقة محرمة.
بعد تغريدات الصحفي الصهيوني يوسي ميلمان كشفت وسائل إعلام عبرية تفاصيل أخرى موسعة عن مقبرة جماعية لـ80 جنديا مصريا قتلوا في كيبوتس “نخشون” بمنطقة اللطرون بالقدس خلال حرب 1967.
وقالت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية: “يمكن سرد القصة الآن: تم دفن العشرات من الكوماندوز المصريين الذين قُتلوا في حرب 1967 جنبًا إلى جنب في تراب الكيبوتس”.
وأضافت أن “رفاتهم لا تزال هناك، على ما يبدو تحت قطعة أرض استخدمها متنزه ميني إسرائيل، وهو منطقة جذب سياحي، منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي”.
وبحسب الصحيفة، منعت الرقابة العسكرية الإسرائيلية، منذ ذلك الحين، نشر هذه القصة، إلا أن أحد سكان كيبوتس “نخشون”، يدعى دان مئير، كشف عنها لأول مرة في التسعينيات ولكن الرقابة العسكرية منعت مجددا نشر القصة.
ولكن أمس الجمعة، سمحت الرقابة العسكرية الإسرائيلية بنشر القصة المروعة.
وأشارت “هآرتس” إلى أن كيبوتس نحشون يقع غربي القدس وتأسس من قبل أعضاء حركة شباب هاشومير هاتزير اليسارية في عام 1950، بجوار دير اللطرون.
وعندما اندلعت الحرب، تمركزت قوة صغيرة من الفيلق الأردني في جيب اللطرون، وانضمت إليها وحدة كوماندوز من الكتيبة 33 التابعة للجيش المصري، وهي مجموعة من النخبة قوامها حوالي 100 جندي.
وروى تفاصيل ما جرى المقدم احتياط زئيف بلوخ، وهو أحد مؤسسي كيبوتس “نحشون”، وشغل منصب قائد إقليمي في حرب 1967 وعُين لاحقًا حاكمًا للخليل.
وقال بلوخ: “قُتل نحو 25 من الجنود المصريين في حريق اندلع في الحقول، أثناء محاصرة كتيبة مشاة إسرائيلية بقيادة المقدم يعقوب نيريا، وبسبب استخدام قذائف الفوسفور”، وأشار إلى أن “تبادل إطلاق النار الإضافي أدى إلى ارتفاع عدد القتلى المصريين إلى حوالي 80”.
إلى ذلك كانت النيابة العامة المصرية قد فتحت تحقيقًا الثلاثاء الخامس من آذار/مارس 2002 في البلاغ المقدم من المنظمة المصرية لحقوق الإنسان, بشأن المذابح, التي تعرض لها الأسرى المصريون في حربي عام 1956 و1967 على أيدي مجرمي الحرب الإسرائيليين، واعترف بها بعض القادة الإسرائيليين عام 1995.
واستمعت التحقيقات المصرية وقتها لشهادة أمين عام المنظمة الراحل حافظ أبو سعدة المحامي, الذي قامت منظمته بإعداد تقرير ميداني موثق بالشهادات والصور, تحت عنون “أعيدوا حقوق الأسرى وحاكموا القتلة”، وتشمل معاينة المقابر الجماعية لهؤلاء الأسرى الشهداء, والاستماع إلى شهادات الأحياء, ممن عاصروا هذه المذابح.
وقال حافظ أبو سعدة وقتها “إن الهدف من البلاغ, الذي تقدم به إلى النيابة المصرية هو “إعداد وثيقة, يمكن التحرك بها خارج مصر, لمحاكمة القتلة الصهاينة, في مراحل أخرى أمام محاكم دولية قانونية، وتعويض أسر ضحايا هذه المذابح من الشهداء, الذين يقدرون بالمئات”.
وقال أبو سعدة آنذاك إن مسألة إعلان قتل أسرى حرب مصريين من قبل جنرالات إسرائيليين في عام 1995 جرت بشكل استفزازي، مما أثار ضرورة القصاص وتحقيق العدل، وتواكب هذا مع توجه المجتمع الدولي لمعاقبة مجرمي الحرب, عبر اتفاقية تشكيل المحكمة الدولية لجرائم الحرب في روما عام 1998.
وقال “عندنا وقائع ثابتة, وشهادات تاريخية موثقة لأسرى نجوا, وكذلك شهادات للمجرمين, أدلوا بها بحرية في بلادهم، ولدينا كتاب (تقرير) أعددناه, يتضمن تفاصيل الجريمة بدقة شديدة, ويستوجب أن تأخذ به العدالة”.
وحول توقعاته لما يمكن أن تسفر عنه تحقيقات النيابة المصرية قال “لا أعرف ما الذي سيفعله النائب العام المصري, ولكننا سنقدم الأدلة والشهود, ونأمل أن ينال المجرمون العقاب”، مشيرا إلى أن مجرم الحرب الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش, الذي حوكم في هولندا بدايات الألفية الحالية كان رئيس دولة ولكنه حوكم.
وقال أبو سعدة إن “حصانة بعض المسئولين في دولهم مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي آرائيل شارون تعرقل محاكمتهم وتحميهم، إلا أن العدالة سوف تأخذ مجراها في النهاية, ومن المهم أن نبدأ التحرك”.
وتستند المنظمة المصرية لحقوق الإنسان في بلاغها إلى شهادات أكثر من 56 من الأسرى والمدنيين المصريين, خلال حربي 1956 و1967, وحرب الاستنزاف، فضلا عن شهادات للمجرمين الإسرائيليين في صحف بلادهم.
ففي شهر أغسطس عام 1995 بدأ الكشف عن الجرائم الإسرائيلية ضد الأسرى المصريين, باعتراف الضابط الإسرائيلي أرييه بيرو, قائد الوحدة العسكرية رقم 890, لصحيفة معاريف الاسرائيلية بارتكابه وآخرين مذابح جماعية ضد الأسرى المصريين, خلال حربي 1956 و1967، وأنه قام هو ووحدته بقتل 49 أسيرا مصريا أعزل من السلاح, أثناء حرب 1956, على أرض سيناء المصرية, وقيامه أيضا بقتل ما يزيد على 500 أسير مصري, بينهم عمال مدنيون كانوا يعملون في سيناء وقت اندلاع الحرب.
ثم توالت اعترافات القتلة والمؤرخين الصهاينة, وقد شارك فيها كل من بنيامين بن اليعازر وزير الدفاع ورئيس وزراء اسرائيل الأسبق إيهودا باراك, وآرائيل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق وعدد كبير من القادة العسكريين الإسرائيليين.
وقد تنوعت عمليات قتل المصريين بين دهسهم بالدبابات, أو إطلاق الرصاص عليهم, أو تجويعهم ورفض مدهم بالماء حتى يموتوا، فضلا عن انتزاع أعضاء منهم على يد طلبة الطب الإسرائيليين, ونقلها إلى تل أبيب لزرعها في أعضاء مرضى إسرائيليين.
وكانت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان قد قالت في بلاغها إلى النائب العام في مصر إنها ستتقدم ببلاغ مماثل إلى محكمة مجرمي الحرب ضد كل من آرائيل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي, وقائد اللواء المدرع التاسع في حرب حزيران (يونيو) 1967، ورفائيل إيتان رئيس الأركان السابق, وقائد كتيبة المظلات 890 في سيناء، ونائبه في قيادة الكتيبة ايرى ايرو, واثنين من الجنود أحدهما عقيد حاليا والثاني مقدم احتياط، وضد عاموس ناشانه, قائد كتيبة سابق في جيش الاحتلال الإسرائيلي والمسئول عن مذبحة “قادش” في سيناء.
وكان البرلمان المصري وقتها قد طرح مسألة قتل أسرى الحرب المصريين عدة مرات في مناقشاته, وطالب الحكومة المصرية بمطالبة الحكومة الإسرائيلية بمحاكمة القتلة، ودعا إلى محاكمتهم أمام محاكم جرائم الحرب الدولية.
وقد ناقش مجلس الشورى المصري في عدة جلسات له عام 2001 مسألة جرائم الحرب الإسرائيلية ضد العرب, وقرر إعداد تقرير في هذا الصدد, يتضمن وقائع سبق التثبت منها, عبر منظمات حقوق إنسان مصرية, بشأن قتل أسرى مصريين ومدنيين, وانتزاع أعضائهم, وإجراء تجارب عليهم, بمعرفة طلبة الطب الإسرائيليين!.
كذلك تقدم عدد من نواب البرلمان المصري آنذاك بطلبات إحاطة وأسئلة للحكومة المصرية ولوزير الخارجية بشأن ما فعلته الحكومة المصرية من أجل الأسرى الشهداء المصريين، وحرص وزير الخارجية السابق عمرو موسى ومن بعده وزير الخارجية اللاحق أحمد ماهر على تأكيد أن جرائم الحرب لا تسقط بالتقادم، وأن مصر تقدمت بطلبات إلى الحكومة الإسرائيلية لا تزال تبحثها.
كما اتهم نواب برلمانيون، مثل النائب الراحل البدري فرغلي نائب حزب التجمع المصري المعارض بالبرلمان, الحكومة بالتراخي في إقامة دعوى قضائية ضد الحكومة الإسرائيلية, تطالب فيها بتعويض قدره 20 مليار دولار, عما ارتكبته تل أبيب من جرائم بحق الجنود المصريين, واغتيال الأسرى, في مخالفة واضحة للقوانين والمعاهدات الدولية، مشيرا إلى اكتشاف العديد من المقابر الجماعية للأسرى المصريين وهم موثقو الأيدي.
وتساءل فرغلي وقتها في استجوابه لرئيس الوزراء المصري, عما يمنع الحكومة المصرية من التحرك, واتخاذ إجراءاتها أمام المنظمات الدولية, بعد إعلان قادة جيش الاحتلال أنهم قتلوا آلاف الأسرى المصريين خلال الحروب السابقة, واعتراف هؤلاء بتخلصهم من الأسرى داخل مقابر جماعية, بعد إطلاق الرصاص عليهم, ودهس بعضهم بالدبابات.
وتساءل فرغلي أيضا ما هو الحرج الذي يمنع الحكومة من اتخاذ الإجراءات القانونية لتعويض أسر هؤلاء الشهداء, وهناك سوابق لمحاكمة مجرمي الحرب الألمان, ومجرمي الحرب الصرب. كما أشار البدري فرغلي في استجوابه إلى مطالبة المجلس اليهودي العالمي بدفع تعويض قدره 6 مليارات ونصف المليار دولار عن قيمة ممتلكات اليهود, الذين كانوا يقيمون في مصر قبل عام 1948 وما بعدها.
يذكر أنه رغم أن فكرة محاكم جرائم الحرب نشأت بدعوى أنها محاكم دولية لمحاكمة مجرمي الحرب, الذين ارتكبوا مجازر ومذابح في حق الأبرياء من البشرية، فقد تحولت إلى محاكم تحكم بأمر القوى العظمى, التي تحكم العالم, ولصالحها, ضد الأفراد والدول, التي تعارض الهيمنة الغربية.
ومنذ محاكمة النازيين الشهيرة واليابانيين بعد الحرب العالمية الثانية، لم يعد أحد يسمع سوى عن محاكمة (أعداء السامية) من النازيين وأعوانهم, الذين قيل إنهم دبروا محارق الهولوكوست ليهود ألمانيا.
أما عن المجازر, التي اقترفها جزارو الصرب, فقد كانت أشد بشاعة من جرائم النازيين، وأكثر وضوحا، وخشيت الدول الأوروبية وأمريكا من رد فعل إسلامي غير مرغوب فيه من جانب مسلمي البوسنة والبلقان عموما, بشكل قد يهدد الوحدة الأوروبية، ولهذا فقد اتفق على إعادة فتح هذه المحاكم التابعة للأمم المتحدة في هولندا لاستقبال مجرمي الحرب الصرب, الذين بلغ عددهم المئات, ولكن لم يقدم منهم للمحاكمة سوى حوالي 30 مجرما فقط, بل وقدم مسلمون وهم ضحايا الإرهاب الصربي, وكروات, ذرا للرماد, ولعدم إغضاب الصرب من هذه المحكمة.
ومع أن كبار الجنرالات الإسرائيليين قاموا بعشرات المذابح ضد العرب والفلسطينيين، منذ مذبحة اغتصاب فلسطين مثل مذبحة “قبية” عام 1953م, وقتل الأسرى المصريين في حربي 1956 و1967م، ومذبحة صبرا وشاتيلا عام 1982م، ومذبحة قانا عام 1998، ومذابح المخيمات الحالية، إلا أن من يديرون هذه المحاكم في الغرب رفعوا شعار: لا نري.. لا نسمع.. لا نتكلم.
وحتى عندما قدم جزار الصرب ميلوسوفيتش لمحكمة جرائم الحرب, بناء على صفقة بين الحكم الجديد في بلاده والغرب لمدها بالمعونات المالية ورفع الحصار، تفاءل البعض بإمكانية تقديم جزار الفلسطينيين شارون للمحاكمة, خصوصا أن قضايا معززة بالأدلة قدمت بالفعل ضده في بلجيكا وفرنسا, ثم سرعان ما ظهر التواطؤ الدولي, لحد الضغط على بلجيكا لتغيير قانونها, الذي يسمح بمحاكمة مجرمي الحرب.
ففي عام 1990 صدر قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة بتشكيل محكمة الجزاء الدولية، وبعد مشاورات تم التوصل إلى اتفاقية روما, التي وقَّعت عليها 129 دولة عام 1998.
وقد سعت واشنطن لعرقلة إنجاز مواد في ميثاق تشكيل المحكمة الجزائية، كالمساواة بين سائر الدول، أو الحيلولة دون وقوعها تحت تأثير منظمات دولية أخرى، وعلى وجه التحديد مجلس الأمن الدولي. وقد جرت تعديلات عديدة على الميثاق في الاتجاه السلبي، مما يجعل المحكمة الجزائية، وإن بدأت أعمالها، مقيدة أو دون مستوى تحقيق الهدف منها على الوجه الأمثل والنزيه.