كتب / حسين محمود
أشعلت عملية “طوفان الأقصى” نقاشات حادة داخل إسرائيل حول كفاءة سياسات الحكومة، مع تركيز خاص على الجانب الاقتصادي وتأثيراته.
تعرضت حكومة بنيامين نتنياهو لانتقادات شديدة بسبب فشلها في تقديم الدعم اللازم للمستوطنين المتضررين من “طوفان الأقصى” وما تلاها. رغم الضغط الشديد الذي واجهته، فشلت الحكومة في التصدي للتحديات الاقتصادية الناجمة عن هذه الأحداث.
كما أظهرت الأحداث أيضًا كم هو ضعيف الاقتصاد الإسرائيلي وكيف يميل اقتصاد السوق غير المقيد إلى الاحتكار ونقص المنافسة. الأوضاع الاقتصادية الصعبة تفاقمت بسبب تداول الأخبار وتأثيرات الأزمة الأمنية.
عُدِلَت عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية حماس في أكتوبر 2023، باقتحام مستوطنات غلاف غزة، إلى تسجيل أكثر من 1200 قتيل إسرائيلي وإخلاء المناطق المجاورة، مما أدى إلى تراكم التحديات الاقتصادية والاجتماعية على الحكومة.
بالنظر إلى هذا السيناريو، يتساءل الكثيرون عن قدرة الحكومة على إدارة الأزمات بفعالية، وسط تفاقم الضغوط الاقتصادية والتحديات الأمنية المستمرة.
تسببت عملية “طوفان الأقصى” في تجدد وتزايد النقاش داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي حول العديد من جوانب سياسات الحكومة، ومنها الجانب الاقتصادي.
وطالت الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، بعض الانتقادات بسبب عدم فاعليتها في مساعدة المستوطنين المتضررين من عملية “طوفان الأقصى” وما تلاها.
ونفذت حركة المقاومة الإسلامية حماس العملية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، باقتحام مستوطنات غلاف غزة ما أدى إلى مقتل أكثر من 1200 إسرائيلي وإخلاء تلك المناطق القريبة من القطاع الفلسطيني المحاصر بسبب الخوف من العمليات والصواريخ.
غير فاعلة
وفي مقال له، نشره موقع “زمان” العبري، قال الباحث الإسرائيلي في الاقتصاد السياسي، عيران بيليج: “في الأسابيع التي تلت كارثة 7 أكتوبر، اندهش الإسرائيليون من عدم فعالية الحكومة فيما يتعلق بمعاملة المتضررين، والذين أجلوا من منازلهم (المستوطنات)”.
وأكد بيليج أن “الإسرائيليين أَلقوا باللوم في هذا الوضع على الحكومة غير الكفؤ، التي فضّلت الثقة على الكفاءة، كمعيار رئيس لشغل مناصب القطاع العام”.
ومع ذلك، يرى الباحث أن “جذور العجز الحكومي في إسرائيل ترجع إلى سبب أعمق بكثير”، مشيرا إلى أنها “تتجذر في رؤية سائدة على مدى العقود الأخيرة، خاصة خلال فترة حكم بنيامين نتنياهو”.
أوضح أن هذه الرؤية السائدة تتمثل في “إلقاء اللوم على الدولة، باعتبارها عبئا يُعيق تنظيم المجتمع والاقتصاد، وعليه يجب تقليص قوتها أو حتى نزع سلطاتها”.
ويُعد هذا الجانب محوريا في الرؤية النيوليبرالية، التي ترى أن انحسار دور الدولة “ليس عيبا، بل ميزة”.
وقال بيليج: “في العام 2022، شهدت حياة الإسرائيليين اضطرابا في مختلف جوانب الحياة، ما يُظهر بوضوح أن ما كان ليس كما سيكون”، مشيرا إلى أن “هناك إدراكا متزايدا بأن هناك قضايا عديدة تتطلب إعادة تقييم ونقاش”.
وأردف أنه “في هذا السياق، فإن أي تفكير جدي في المبادئ التي ينبغي أن تقوم عليها الحياة المشتركة في إسرائيل مستقبلا، يجب أن تشمل الجانب الاجتماعي والاقتصادي”.
وتابع أنه “عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد، يعرف معظم المواطنين ما لا يرغبون فيه، ولكنهم يجدون صعوبة في شرح ما يرغبون فيه بالضبط، وهذا ينطبق أيضا على معظم الشخصيات العامة والسياسيين”.
وأوضح أنهم “من ناحية، لا يريدون الاشتراكية، التي جلبت معها الإكراه الاجتماعي والفشل الاقتصادي، كما شوهد في بلدان مختلفة في القرن العشرين”.
وتابع: “من ناحية أخرى، فإنهم لا يريدون النيوليبرالية، تلك النظرة السياسية والاقتصادية للعالم التي أصبحت مهيمنة بشكل رئيس في الولايات المتحدة خلال العقود الأخيرة، وصُدّرت من هناك إلى دول أخرى، منها إسرائيل”.
حرية الفرد
ورأى الباحث أن “هذا المفهوم يقدس الفردية، ويجعل حرية الفرد وحقه في الملكية حقا أساسيا غير قابل للطعن فيه، دون أن يعترض ذلك عوائق أو توازنات مع مبادئ أخرى”.
واستطرد أنه “ينظر هذا المفهوم إلى الدولة بوصفها مصدر إزعاج، لأنها تحد من حرية الشخص”، مؤكدا أنه “في العقود الأخيرة، أدت النيوليبرالية إلى فوارق اقتصادية كبيرة، وتزايد مشاعر الظلم بين مختلف الفئات”.
وذكر أن “هناك حاجة إلى صياغة إيجابية لرؤية اجتماعية واقتصادية ليبرالية جديدة”، مستعرضا عددا من المبادئ العامة التي يمكن أن ترتكز عليها الرؤية الجديدة.
المبدأ الأول -وفق الباحث الإسرائيلي- هو أن “الاقتصاد يجب أن يخدم المجتمع وليس العكس”.
وأوضح أنه “يجب أن يساهم الاقتصاد في الرفاهية الإنسانية والاجتماعية العامة، وينبغي أن يكون هذا مبدأ توجيهيا عند النظر في السياسة الاقتصادية”.
وشدد الباحث على أنه “حتى لو كان اقتصاد السوق الأكثر شهرة لدينا أسلوبا فعالا، فإن هذا لا يعني وجوب تطبيق منطق السوق وقواعده على مجالات الحياة الأخرى”.
وتابع: “ينبغي أن يكون الوصول إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية، مثل الصحة والتعليم، مفتوحا للجميع، ولا ينبغي أن يخضع لديناميكيات السوق”.
وأردف أنه “يُمكن تقييد النشاط الاقتصادي في المجالات التي تتعارض مثلا مع الكرامة الإنسانية، من خلال توفير ضمانات للحد الأدنى للأجور وتهيئة ظروف عمل ملائمة للعاملين”.
أما المبدأ الثاني، فهو أن الحرية والمساواة كحقوق مطلقة، ضرورية في الجانب السياسي، ولكن ليس من الضروري وجودها في الجانب الاقتصادي بنفس المعنى.
و”فيما يتعلق بالمساواة الاقتصادية، فإنه خلافا للمفهوم الاشتراكي، لا يجوز استخدام المساواة الاقتصادية كهدف في حد ذاته”، مشيرا إلى أن “ما يهم هو أن كل شخص لديه ما يكفي، وليس بالضرورة أن يمتلك الجميع نفس الشيء تماما”.
“ولذلك، ينبغي التركيز على الاهتمام بالضعفاء، وليس على فرض المساواة الاقتصادية التي من شأنها أن تحد من فرص تحقيق الذات”، حسب بيليج.
وأوضح الباحث الإسرائيلي أنه “ومن أجل تجنب الإضرار بمبدأ تكافؤ الفرص، وبشكل عام، كأداة للحفاظ على التضامن الاجتماعي والاستقرار السياسي، فمن المستحسن ضمان بقاء التفاوت الاقتصادي في حدود المعقول”.
فكرة طوباوية
أما المبدأ الثالث، فيرى الباحث أن “اقتصاد السوق يتمتع بمزايا ملحوظة، حيث جلب مستوى معيشيا جيدا للمليارات من البشر حول العالم”.
لكن في الوقت نفسه، يقول إن “فكرة أن اقتصاد السوق الحر تماما يدفع إلى تخصيص أمثل للموارد، ما يؤدي إلى تعظيم النتائج الاقتصادية، هي فكرة طوباوية (بعيدة عن الواقع)”.
فعندما يُترك الأمر لاقتصاد السوق، فإنه يميل، على نحو لا يخلو من المفارقة، إلى إلحاق الضرر بنفسه.
ويعتقد بيليج أن “اقتصاد السوق غير المقيد يميل إلى الاحتكار ونقص المنافسة، ثم يفقد مزاياه”.
هذا بالإضافة إلى أنه يميل أيضا إلى تجاوز القيم الاجتماعية المهمة، مثل الحفاظ على الطبيعة والمناخ.
ويشير الباحث الإسرائيلي إلى أنه “للحفاظ على مزايا السوق الحر، فإن هناك حاجة إلى درجة من التقييد والإدارة، وينبغي أن ينعكس ذلك في الإشراف والتنظيم الفاعلين”.
أما المبدأ الرابع الذي يريد “بيليج” أن يتبناه الاقتصاد الإسرائيلي، فهو أن “تتحمل الدولة المسؤولية عن هذا الجانب”.
وتابع: “هذا قد يبدو متناقضا مع المبدأ السابق، لكن القصد هو أن الدولة هي الجهة التي يجب أن تحدد أهداف وتضع إستراتيجية لقيادة الاقتصاد والمجتمع في الاتجاه المنشود، اتباعا للنظرية الكينزية في الاقتصاد (تركز على دور كلا القطاعين العام والخاص، أي الاقتصاد المختلط)”.
وتساءل: “متى كانت آخر مرة دار فيها نقاش سياسي أو عام مهم في إسرائيل فيما يتعلق بالأهداف الاجتماعية والاقتصادية؟”.
وتابع أن الهدف الاقتصادي الرئيس الذي قيل للجمهور الإسرائيلي خلال السنوات الأخيرة، في عهد نتنياهو، هو “النمو المرتفع”، لكن لم يكن هناك أي تفسير أو نقاش ملموس حول هذا الموضوع.
وأضاف أن “الإسرائيليين مطالبون بإعادة التفكير في المبادئ الاجتماعية والاقتصادية التي تقوم عليها حياتهم المشتركة، وذلك من أجل خلق واقع أفضل للأجيال القادمة، والحفاظ على الديمقراطية”.
وختم الباحث الإسرائيلي بالتأكيد على أن “هناك حاجة إلى رؤية اقتصادية ليبرالية جديدة ومتوازنة لإسرائيل في القرن الحادي والعشرين”.
المصادر:
1 |
בין סוציאליזם לנאו-ליברליזם, דרוש חזון כלכלי ליברלי חדש |
---|