تشهد مصر، كأي اقتصاد عالمي، تحديات متزايدة في مجالات التحصيل الضريبي. خاصةً في شركات المقاولات التي تعتبر من القطاعات الحيوية في تنمية البنية التحتية والاقتصاد بشكل عام. ويتمثل التحدي الأكبر أمام وزير المالية الدكتور محمد معيط في كشف ألاعيب التهرب الضريبي التي يمارسها بعض أصحاب شركات المقاولات الكبرى في مصر، ما يهدد بالتأثير السلبي على الاقتصاد المصري.
تكتيكات التهرب الضريبي
تعتمد بعض الشركات الكبيرة على تكتيكات متقنة لتجنب دفع الضرائب بشكل كامل أو جزئي. تشمل هذه التكتيكات تقديم معلومات مضللة لمصلحة الضرائب المصرية حول الإيرادات، واستغلال الفجوات في التشريعات الضريبية، ونقل الأموال إلى حسابات في شركات صغيرة تعمل لديها أو يملكها نفس رجال الأعمال من الباطن، بعيدًا عن الدفاتر الرسمية المقدّمة لمصلحة الضرائب.
تأثيرات التهرب على الاقتصاد
- نقص في الإيرادات الضريبية: إذ يؤدي التهرب إلى نقص حاد في الإيرادات الضريبية للدولة و هي الإيرادات التي يتم استثمارها في مشاريع تنمية البنية التحتية وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين في الدولة
- تشويه المنافسة : يعطي للشركات التي تلتزم بالضرائب تحملاً مالياً أكبر، على عكس الشركات المتهربة من الضرائب، مما يشوه المنافسة ويؤثر على التوازن في السوق
- زيادة الدين العام: وهو ما تضطر معه الدولة إلى زيادة الاقتراض لتعويض فقدان الإيرادات، مما يؤدي في النهاية إلى زيادة الدين العام.
ومما سبق فإن تعزيز التفتيش الضريبي و زيادة جهود المتابعة للكشف عن حالات التهرب واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة هو عمل لا يجب ان ينتهي عند موظفي مصلحة الضرائب فحسب، بل يمتد إلى الصحافة باعتبارها سلطة رقابة شعبية داعمة لسلطات الدولة في ضبط السياق القانوني وحماية المال العام، وعلى ذلك فإن مكافحة التهرب الضريبي تعد أمرًا حيويًا لتحقيق الاستدامة الاقتصادية في مصر. ما يتطلب تكثيف الجهود وتنويع وسائل الرقابة التي تدعم عمليات التحصيل الضريبي، بالإضافة إلى تعزيز الشفافية والتعاون بين السلطات.
انحرافات بعشرات الملايين في الإقرارات الضريبية لشركة كونكريت بلس
القضية في غاية الخطورة ومنها ما وصل إلى جريدة البلاغ عن عمليات تهرب ضريبي واسعة كشفها بلاغ في هيئة الاستثمار من شريك في شركة (إم تي) للمقاولات العامة والتوريدات، عن عمليات استيلاء على أموال الشركة، لكن ما لم يكشفه البلاغ إن الشركة الصغيرة هي ملاذ آمن لتحويلات ضخمة وعمليات من الباطن لصالح شركة ضخمة مشروعاتها السنوية تُقدر باكثر من 30 مليار جنيه تعمل في مجال المقاولات، حتى أن التعاقدات التى أبرمتها الشركة هذا العام فقط تتوزع ما بين مليار جنيه لصالح مجموعة طلعت مصطفى القابضة لتنفيذ أعمال ضمن مشروع نور، بالإضافة إلى التعاقد مع شركة هايد بارك العقارية لتنفيذ أعمال بقيمة ٧٠٠ مليون جنيه، والتعاقد مع إحدى شركات مجموعة السويدى لتنفيذ مبنى جامعى بمدينة العاشر من رمضان بقيمة ٥٠٠ مليون جنيه، بخلاف عقد مقاولات بقيمة 2٫5 مليار جنيه مع إحدى الشركات العقارية لتنفيذ مبان إدارية.
القضية تبدأ خيوط رصدها من بلاغ في هيئة الاستثمار لمحمد طارق محمد عبدالحليم الزرقا بصفته عضو في مجلس إدارة شركة (إم تي) يتضرر فيه من عدم قيام مجلس الإدارة في الشركة بإعداد القوائم المالية والميزانيات وتكملة رأس المال، رغم محاولات الشاكي المتكررة للشركاء أن يقوموا بإعداد تلك القوائم، وكذلك تضرره من عدم قيام مجلس الإدارة في شركة (إم تي ) بدعوة الجمعية العمومية للانعقاد وعدم عقد اجتماعات مجلس الإدارة طبقا لما ينص عليه قانون الشركات، حتى أنه تبين للشاكي عند اطلاعه على ملف الشركة في هيئة الاستثمار عدم اتخاذ الشركة أيه إجراءات أو وجود ثمة مستندات في ملف الشركة تفيد حدوث أي من تلك العمليات بالمخالفة لنص المادة 44 من النظام الأساسي للشركة.
بالنظرة التقليدية لما سبق.. يتبين أنه لا يعدو كونه خلافًا كثيرًا ما يقع بين الشركاء؛ لكن الخطورة التي أوردها الشاكي في شكواه – تحت يدنا صورة منها- كانت فيما يتعلق بشركة طارق يوسف وحسام فكري (كونكريت بلس) التي اشترت حصص غالبة في شركة (إم تي) تزيد عن 50% من قيمة الأسهم، بشكل تم التعديل على إثره في هيكل مجلس إدارة ( إم تي ) ليصبح حسام فكري رئيسًا لمجلس إدارة الشركة.
أين الخطورة فيما سبق؟ هل في أن شركة (إم تي) اصبحت مملوكة في غالبها لشركة “كونكريت بلس” وفي ذلك فهي تحصل على مقاولات من الباطن من شركة “كونكريت بلس”.. بما يعني أن طارق يوسف وحسام فكري في شركة “إم تي” يحصلون من طارق يوسف وحسام فكري في “كونكريت بلس” على مقاولات من الباطن؟ الله اعلم.
وتحقق نيابة مصر الجديدة الآن في التعاملات بين الشركة الأم “كونكريت بلس” وشكرة “إم تي” التي تمتلك الأولى فيها حصص غالبة، والتأكد مما إذا كانت هناك عمليات بين الشركتين يتم إخفائها لأهداف تتعلق بالتهرب الضريبي من عمه،وما إذا كانت هناك إيرادات لم يتم ذكرها في الاقرارات الضريبية، و البحث في الهدف من تأسيس “كونكريت بلس” لشركة ثالثة بنفس إسم “إم تي”، وما إذا كان لذلك علاقة بعمليات منتظمة للتهرب الضريبي من عدمه؟
اخطر ما يتم التحقيق فيه الآن هو وجود إقرارات ضريبية لأعوام2020و 2021 و 2022، تختلف في أرقامها مع ما كشفته مستندات جديدة لشيكات عن مستخلصات أعمال، مطابقة لكشف حساب الشركة في البنك، غير معتمدة في البنك بحسب أقوال عضو مجلس الإدارة.
طبعًا هنا سيتبادر إلى الذهن ما أشرنا له في صدر هذا التقرير عن أن بعض شركات المقاولات الكبرى تقوم بعمليات نقل الأموال من حسابات الشركة الأم إلى حسابات أخرى في شركات صغيرة تعمل لديها أو يملكها نفس رجال الأعمال من الباطن، لتقليل هامش الربحية، أو للتهرب من الضرائب. أو لأسباب أخرى لا نعلمها، وهنا لا يمكن القبول بأن ينطبق ذلك القول على شركة “كونكريت بلس” المملوكة لطارق يوسف وحسام فكري في تعاملاتها مع شركة “إم تي” المملوكة في غالبها أيضًا لحسام فكري وطارق يوسف، لكن الأمر يحتاج إلى تدقيق من رجال الرقابة المالية ونيابة مصرالجديدة التي تحقق الآن في هذه القضية.
مع العلم بأنه قد تم تقييم شركة (إم تي) بمبلغ 30 مليونًا، طبقًا لمتوسط أعمال سنوية قدره 30 مليونًا وصافي متوسط ارباح قدره 9 ملايين جنيه في وقت تعاقد فيه طارق يوسف وحسام فكري من شركة “كونكريت بلس” مع طارق يوسف يوسف وحسام فكري من شركة “‘إم تي” على أعمال الـ “جي آر سي” بمشروع الـ “R5 ” بالعاصمة الإدارية قيمتها 200 مليون جنيه..! القضية غامضة وتحتاج إلى تفكيك اكثر للعناصر الغامضة فيها وصولًا لفهم ألغازها المعقدة.
خاصة إذا علمنا أن معلومات اخرى تتحدث عن أن اﻟﺗﻌﺎﻗد بين طارق وحسام كونكريت بلس مع طارق وحسام في أنشطة صناعية (تصنيع خرسانة) وهو نشاط لم يتم إدراجه في الإقرارت الضريبية، كما وأن المعلومات تفيد بانه لم يتم شراء معدات لهذا النشاط، وكلها مناطق غموض تحتاج إلى فك طلاسمها في ظل اتهامات عن علاقات مع نافذين تساعد في ترتيب هذه الأوراق، في وقت تقوم فيه “كونكريت بلس” بعدما جنت ثروة واموالًا ضخمة من العمل في السوق المصري فإنها تستعد لنقل استثمارات لها إلى السوق السعودية.
الملف به كثير من الألغاز التي سنحاول فكّها في حلقات قادمة درءًا للتتداخل في المعلومات خاصة بعدما تبين أنه تم إنشاء شركة أخرى تحمل نفس الإسم وتمارس نفس النشاط، بالاضافة إلى تفاصيل تعاقدات غامضة مع شركة “بمكو” التي تم الاستحواذ على أسهم فيها والمملوكة في غالبها للشريكين: طرق يوسف وحسام فكري، وفي ظل أحاديث عن 11 مليون جنيه تم تحيولها من حساب شركة “إم تي” مباشرة لحساب سيف ترك، وأحاديث أخرى في الغرف المغلقة داخل اتحاد المقاولين عن سر الصعود السريع والحصول على عمليات ضخمة خلال سنوات قليلة.