الدواء كالماء والطعام لا يمكن لكائن حي الاستغناء عنه، فيمكن للإنسان أن يتنازل عن طعامه مقابل الدواء، فالصحة لا تقدر بثمن وهي أساس وجود الإنسان وقيمته في الحياة، ولكن الكارثة في أن يكون هذا الدواء مغشوش بمعنى أن يكون منتهي الصلاحية وعليه تاريخ خاطئ أو تكون المادة الفعالة ضعيفة أو بنسبة ضئيلة، صدر آخر تقرير عن الإدارة المركزية لإدارة الصيدلة بوزارة الصحة، أكدت فيه أن تجارة الأدوية المغشوشة تمثل نحو 10% من مبيعات الأدوية، والتي بلغت 2018 نحو 60 مليار جنيه، بحيث تخطت النسبة العالمية التي تقدر بـ 6%.
وأضاف التقرير، بعض أصحاب الصيدليات اتجهوا إلى الأدوية المستوردة، كبوابة خلفية لجني الكثير من الأموال، لارتفاع هامش ربحها، وعدم تسديد ضرائب على بيعها، وتضم عددا كبيرا من الأصناف، التي يتم تهريبها عن طريق الحدود، أو فى رسائل جمركية بالموانئ، ويتم بيعها علانية، بعيدا عن أعين الرقابة، نظرا لعدم إدراج معظمها على قوائم وزارة الصحة. وتتعامل الكثير من الصيدليات مع الأدوية المهربة، كما يتعامل تاجر المخدرات مع بضاعته الممنوعة، فهناك أساليب مختلفة ومتعددة لإخفاء تلك الأدوية عن أعين مفتشي وزارة الصحة، الذين يشنون حملات دورية على الصيدليات، خاصة الكبرى منها، لضبط الأدوية المستوردة.
فمضبوطات الأدوية المغشوشة كثيرة وخطيرة، وأحدثها إعلان إدارة التفتيش الصيدلي بمديرية الشئون الصحية بمحافظة البحيرة، عن تنفيذ غلق إداري لعدد من المؤسسات الصيدلانية المخالفة للقانون، حيث قامت بغلق وتشميع صيدلية تتبع إحدى سلاسل الصيدليات الشهيرة “19011”، بمدينة منهور، وذلك لعدم وجود مدير مسئول، وتم تحرير محضر شرطة رقم 5726 لسنة 2019 إداري قسم دمنهور.
كما تمكنت مديرية الصحة بأسيوط، من ضبط 1700 نوع من الأدوية مجهولة الهوية وبدون فواتير وممنوع تداولها، ففى مركز أسيوط قرية الشغبة تم تحرير محضر رقم 2649 إداري لسنة 2019 قسم شرطة مركز أسيوط، وفى قرية المطيعة تم تحرير محضر رقم 2707 إداري مركز شرطة أسيوط، أما فى مركز الفتح قرية بني زيد الأكراد تم تحرير محضر رقم 2976 إداري مركز شرطة الفتح.
وتمكنت الحملات من ضبط 1797 من عبوات وزجاجات وأقراص أدوية وتنوعت المخالفات من حيث ضبط بعض الأدوية بدون فواتير وأدوية ومنشطات مجهولة المصدر ومحظور تداولها وأدوية منتهية الصلاحية ومعدة للبيع وتم تحرير 12 محضرا لعدم وجود المدير الصيدلي فى قرى المحافظة.
وأيضا ضبط جمارك الإدارة الثالثة بمبنى الركاب رقم 1 بمطار القاهرة، صيدلية من الأدوية البشرية والمكملات الغذائية، بحوزة راكبة أجنبية الجنسية قادمة من الإمارات، بالمخالفة لأحكام قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 127 لسنة 1955 وقانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 وقانون الاستيراد والتصدير رقم 118 لسنة 1975، حيث تم تحريز المضبوطات وتحرير محضر تهرب جمركي رقم 16 لسنة 2019.
يقول الدكتور على عبد الله مدير مركز البحوث الدوائية ومكافحة الإدمان، إن أهم ما يعانيه العالم عامة ومصر خاصة من تنامي هى إساءة استخدام الأدوية وإدمانها ولذلك أنشأنا المركز وأعطينا اهتماما كبيراً من اجل مكافحة تلك الظاهرة عن طريق التوعية إيمانا منا أن ما ينفق على منع الظاهرة هو 10% مما ينفق على علاج الظاهرة، فالأدوية منتهية الصلاحية طاعون تعانى منه كل الصيدليات وتهدد اقتصادياتهم فقد فشلت النقابة فى وضع حل جرئ لها لكن في النهاية هى تبحث عن شماعة تعلق عليها فشلها على مدار مجالس نقابية متتالية .
ويضيف عبد الله، الحديث عن ظاهرة غش الدواء في مصر دائما يجنح نحو المبالغة فحوادث غش الدواء في مصر هى الأقل نسبيا عن باقى الدول ، بينما دخول الدواء المغشوش هى ظاهرة تستحق التدخل ممن هم مسئولون عن منافذ الحدود الدولية لمنع دخول تلك الأدوية بالإضافة إلى أننا نعاني حقا من الأدوية غير المطابقة، و بالصدفة والأدهى هو صعوبة ارتجاعها من السوق قبل وصولها للمريض وترك ذلك على مسؤولية الشركات التى دائما تترك دواءها غير المطابق حتى نفاذه، ووزارة الصحة هى المسؤولة الأولى عن منع أى دواء مغشوش وعليها سرعة تطبيق منظومة الباركود الحديث وتتبع الدواء من خروجه من المصنع وحتى وصوله إلى المريض أو انتهاء صلاحيته وارتجاعه إلى شركته، وذلك لسرعة كشف أى دواء مغشوش أو غير مطابق أو مهرب هل الحل للقضاء على هذه الظاهرة.
ويتابع: مهنة الصيدلة وصناعة الدواء فى مصر تشهد تطور كبير خاصة فى العقد الأخير لكن للأسف على مستوى القطاع الخاص فقط ومقارنة بما قبلها وليس بالمستوى العالمى بينما تتراجع صناعة الدواء الحكومي، إذ انخفضت نسبة مشاركة أدوية القطاع الحكومي بأكثر من 80% فى السبعينات إلى أقل من 4% فى السوق الحالى ومازالت تعانى مهنة الصيدلة وكذلك صناعة الدواء مشاكل كبيرة تقيد ذلك التطور.
أما عن التعليم الصيدلي فيقول “مدير مركز البحوث الدوائية”،يعاني من مشاكل التعليم الجامعي عامة وأكثر خاصة مع ارتفاع تكلفة التعليم الصيدلي ومع التوسع فى عدد كليات الصيدلة الحكومية والخاصة وعدم الالتزام بالأعداد المقررة، وبناءا عليه ازداد عدد الخريجين بشكل حاد لا يتناسب مع حاجة السوق وانخفض معه مستوى العلمي للخريجين الذين يركزون على فتح صيدليات مما زاد معه عدد الصيدليات المرخصة في 10 سنوات فقط إلى ثلاثة أضعاف ليصل إلى 60 ألف صيدلية ومع ارتفاع التكلفة وانخفاض الدخل انهارت اقتصاديات الصيدليات خاصة في ظل وجود مشكلات أخرى مثل الأدوية منتهية الصلاحية وثبات سعر الأدوية لفترة طويلة.
ويستطرد، صناعة الدواء الحكومي على حافة الهاوية لأسباب تحتاج إلى صفحات لمناقشتها أما الصناعة الوطنية الخاصة فهى صناعة استثمارية تهدف كما يهدف أى مستثمر إلى الربح، ولكن على شركات الادوية الخاصة أن تعطى الدولة ما تستحقه من ضرائب ونقل تكنولوجيا حديثة لصناعة الدواء إلى مصر وتصنيع الأدوية ذات الطلب فى مصر .