«لم تكن المرأة أكثر من عضوة درجة ثانية بالأسرة».. هكذا أسرّت لي إحدى الصديقات ممن انتمين يومًا إلى جماعة الإخوان المسلمين، فنظرة الإخوان إلى النساء لم تتخط كونهن ربات منزل، مربيات للأطفال ومساعدات للرجال، من أجل تحقيق أهدافهم الكبرى تجاه الجماعة والجامعة الإسلامية.
ورغم معرفة الجميع بنظرة رجال الإخوان للنساء، إلا أن القيادات استخدمت تنظيم الأخوات المسلمات بالجماعة في تمرير كثير من الأمور التي صُعب على الرجال القيام بها، فكان لنساء الجماعة دورًا سياسيًا كبيرًا في السنوات الأخيرة.
أبرزت دراسة للمركز العربي للبحوث والدراسات بعنوان «نساء الإخوان من الدعوة إلى العنف بعد ثورة 30 يونيو»، الدور الدعوي والسياسي لنساء الإخوان بعد30 يونيو، ومراحل الاستغلال السياسي لنساء الجماعة، ذاكرة أنه ومخالفة لكل التوقعات، ارتفعت أعداد نساء الجماعة في محافظات مصر المختلفة بعد عزل الدكتور محمد مرسي من رئاسة الجمهورية، وحسب الدراسة، احتلت محافظة الجيزة والحيز الريفي المحيط بها أعلي نسبة وجود لنساء الإخوان المسلمين، وجاء في المركز الثاني محافظة القليوبية والتي احتلت الترتيب الثاني من حيث عدد نساء الإخوان، واللاتي كن النواة الأساسية لاعتصام ميدان رابعة.
وحسب الدراسة، يلاحظ أن الهيكل التنظيمي لنساء الإخوان غير معلوم للعامة، فلا يعرف سوى أن كل امرأة تنتمي لأسرة، ولهذه الأسرة واحدة أخرى مسئولة عنها، لأن المبدأ المتبع داخل التنظيم النسائي هو سرية التفاصيل والمعلومات التي تكون متاحة للخاصة، وهن زوجات وبنات إخوان كبار. أما العامة من باقي النساء، فليس متاح لهن أي شيء، لأن التنظيم النسائي داخل الجماعة تسيطر عليه فكرة تكريس الطبقية بينهن، فالتصعيد داخل التنظيم النسائي للجماعة من أسرة لأخرى أعلى يتم لمن استطاعت أن تثبت ولاءها وطاعتها العمياء لقيادات الجماعة، والتزامها بالقواعد المنصوص عليها.
جيهان الخلفاوي.. أول إخوانية برلمانية
وفي تصريحات سابقة للباحث السياسي أبو الفضل الإسناوي، ذكر أن مشاركة الأخوات المسلمات في الحياة السياسية لم تكن جديدة، فبدأت في الانتخابات البرلمانية لعام 2000، بترشيح جيهان الخلفاوي عن دائرة الرمل بالإسكندرية، مكملًا: «تكثفت المشاركة السياسية لنساء الجماعة بعد عام 2004، لتتقدم مرشحات في الانتخابات البرلمانية عام 2005، كان على رأسهن جيهان الخلفاوي للمرة الثانية، وترشحت مكارم الديري عن مدينة نصر، ثم تطور الأمر إلى دخول معترك البرلمان في 2012 ونجاح 6 عضوات، بجانب وجود إخوانيات بالجمعية التأسيسية للدستور 2012 وهن: عزة الجرف -عضو مجلس الشعب المنحل-، ودكتورة أميمة كامل -الأستاذ بكلية طب القاهرة-، وهدى غنيمة، وسوزان سعد زغلول ،عضو مجلس الشورى المنحل.
وظهر نشاط نساء الجماعة جليًا بعد ثورة 25 يناير 2011، لتشاركن في الحياة السياسية وتصبحن صاحبات دور «علني» خاضع لأوامر المرشد العام، ولا يأتي مشاركة المرأة سياسيًا في إطار تغير فكر الجماعة تجاه المرأة، وإنما جاء لعدة أسباب أبرزها ما تضمنه قانون الانتخابات المعد في المرحلة الانتقالية الأولي عام2011، والذي اشترط وضع امرأة علي كل قائمة حزبية، وبذلك بلغ عدد مرشحات الإخوان 115 امرأة، نجح منهن ما يزيد علي 6 سيدات.
ولعل الفكر الإخواني داخل الجماعة قد تطور، ليعوا جيدا أن كتلة النساء التصويتية في انتخابات مصر – سواء الرئاسية أو المحلية أو البرلمانية أو الاستفتائية – أصبحت ضعف الكتلة التصويتية للرجال تقريبًا، لذا عملوا على زج نسائهم داخل المجتمعات الريفية والصعيدية وبعض الأماكن المتطرفة و العشوائية بقلب القاهرة، ليندمجون مع النساء وتحشدن للانتخابات.
الدفع بنساء الجماعة في السياسية منذ 2005
وفي شهادة سابقة لها، قالت القيادية الإخوانية انتصار عبد المنعم، إن قيادات الإخوان دفعت بالنساء في السياسة، بدءا من انتخابات 2005، فشجعن النساء على التوجه للإدلاء بأصواتهن، وتوجهن في حراستهن إلى اللجان من خلال الحشد بالأتوبيسات الخاصة.
وأضافت القيادية الإخوانية أن من أشهر النساء اللاتي لعبن دورًا كبيرًا في الحشد والعملية السياسية، الدكتورة وفاء مشهور، ابنة مرشد الإخوان الأسبق، مصطفى مشهور، والدكتورة أماني أبو الفضل، وهدى عبد المنعم المحامية، والدكتورة مكارم الديري، والدكتورة منال أبو الحسن، والدكتورة نفوسة عبد الباسط، والدكتورة سميحة غريب، والدكتورة سماح عبد العاطي، والدكتورة أمل خليفة، وسحر المصري.
وفي هذا الصدد، ذكر إخواني منشق عن الجماعة –رفض ذكر اسمه- في تصريح خاص أن اللجوء إلى النساء في تلك الفترة، كان سببه فقدان ثقة المجتمع في رجال الإخوان، نتيجة إخفاقهم في برلمان الثورة و حصلوا فيه على أغلبية ساحقة، إضافة إلى قدرة نساء الإخوان على الإقناع باسم الدين، وكانت الشريحة الأكبر التي يستهدفونها نساء القرى والأرياف، مضيفًا أنه بعد 30 يونيو، وُجهت نساء الجماعة توجيهًا جديدًا، فكن تخرجن وحيدات في التظاهرات والمسيرات، يصاحبهن قليل من الرجال، واستخدمت النساء كدروع في مقدمات ونهايات المسيرات أيضا لحمايتها من عنف رجال الأمن، مؤكدًا أن لنساء الجماعة أدوار أخرى سهلت مهماتهم، مثل نقل الأموال والأسلحة إلى ميدان رابعة والنهضة، والتحريض على الجيش والشرطة في الجامعة ووسط التجمعات النسائية وغيرها.
ولعل أبرز الأدوار التي تقوم بها الأخوات المسلمات..
مهام استخباراتية
تقوم المرأة بدور هام بعد تعرض الغالبية العظمى من القيادات للاعتقال، حيث تتولى «الأخوات» مهمة التنسيق بين القواعد في الخارج والقيادات داخل المعتقلات، أي أنها تقوم بنقل الخطابات و الخطط والرسائل التي يريد الإخوان توصيلها لمنفذي خططهم في الخارج، ويضم التنظيم النسائي للجماعة أسماء معروفة، أبرزهن: زوجة الرئيس الأسبق محمد مرسى «نجلاء علي» وزوجة خيرت الشاطر «عزة أحمد توفيق» وزوجة محمد بديع المرشد العام «سمية محمد الشناوي» وعزة الجرف الشهيرة بـ«أم أيمن» وأخريات ممن تقمن بمهام استخباراتية وتوجيهية.
جبهات وحركات
دشنت نساء الإخوان جبهات وحركات جديدة، منذ اعتصام رابعة، أهمها حركة «نساء ضد الانقلاب»، و التي انطلقت بعد خطاب الفريق عبد الفتاح السيسي -وزير الدفاع حينها- والذي أعلن فيه عزل «مرسي»، فأخرجوا بيانًا جاء فيه: «أن حديث السيسي هو الحلقة الأخيرة في المسلسل الهزلي للانقلاب، والذي يحفر فيه السيسي قبره بيده»ن كما تشكلت حركات أخرى مثل «طالبات ضد الانقلاب» والتي لعبت دورًا سياسيًا وتعبويًا داخل جامعات الأزهر وحلوان وعين شمس والقاهرة.
غير أن التنظيم الأقوى جاء تحت اسم «جبهة الأنصارية»، وهي تضم نساء وفتيات من الجماعة يقدن العمل السري وعمليات تنظيم المظاهرات وغيرها من المهام الصعبة والتي يصعب تعقبها نتيجة سرية الشخصيات التي تعمل بها.
ولعبت المرأة دورًا مهمًا في جماعة الإخوان المسلمين إبان حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، وساهمت في الحشد النسائي للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، مكما شاركت نساء الجماعة في العملية الدعوية وجمع التبرعات وتنظيم المسيرات سواء في الشوارع والميادين أو الجامعات المصرية، لذا فتعتبر المرأة هي الجندي المجهول داخل الجماعة.