لم يكن أشد المتشائمين عبر التاريخ ينتظر أن تصبح مصر سوقًا للمتعة وملاذًا لراغبي العلاقات محددة المدة، إلا أن الواقع فرض نفسه، خاصة بعد الانفتاح الاقتصادي في عصر الرئيس الراحل محمد أنور السادات وما تلاه من تدهور لأوضاع المواطن الاقتصادية والاجتماعية والتي نتج عنها هجرات متتالية ونزوح إلى دول الخليج العربي من أجل البحث عن حياة كريمة ومصادر دخل أخرى، ومع التدهور السريع منتصف تسعينات القرن الماضي وبداية الألفية الحالية، راجت في مصر عمليات الزواج المؤقت أو ما سمي بزواج المسيار أو المتعة، والتي تندرج جميعها وفقًا لتصنيف عدد من المنظمات الدولية تحت اسم الزواج السياحي، فأصبحت مصر مقصدًا للراغبين في زيجات مؤقتة وبأسعار منخفضة بلا ضمانات تذكر.
رغم الفقر الشديد الناتج عن سياسات حكومية متتالية، حاول المصريون التصدي لانتشار مثل هذا النوع من الزواج، إلا أن بعض المناطق لم تفلح في ذلك، وأصبحت مقصدًا للزواج السياحي في مصر، والذي أدرجته جهات حقوقية حكومية رسمية وغير رسمية تحت طائلة الاتجار بالبشر، وهو ما يخالف كافة المعاهدات والاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان وحماية البشر الدولية، التي تقرها مصر، وتلتزم بميثاقها.
وينتشر الزواج السياحي في مصر في محافظات بعينها، على رأسها محافظة الجيزة والقاهرة والمنصورة والشرقية، و وفقًا لتقارير صحفية سابقة، فإن مناطق الحوامدية والبدرشين وأبو النمرس في الجيزة، هي أكثر المناطق رواجًا في تجارة الزواج السياحي، أيضًا منطقة كفر العلو بحلوان جنوب القاهرة، وأشارت التقارير السابقة إلى أن السعوديين والكويتيين والإماراتيين هم أكثر العرب إقبالا على الزواج من مصريات.
تبدأ رحلة الأجنبي الراغب في الزواج من المطار، حينما يلتقي بسائق التاكسي الذي يقوم بدور الوسيط بين السائح والسمسار المختص بتسهيل مثل تلك الزيجات، فيعرض عليه أثناء توصيله إلى مقر إقامته، زوجة مؤقتة وبأسعار مخفضة، يوافق الأجنبي والذي جاء إلى مصر لأغراض تجارية أو سياحية “سواء أكانت سياحة ترفيهية أو جنسية”، فيبدأ السائق في مقابلته بالسمسار، وتنتهي مهمته عند هذا الحد، ليبدأ رحلته مع سمسار الزواج، يطلب الأخير منه تحديد مواصفات الفتاة التي يرغب، وبعدها يعرض عليه عددًا منهن، وبعد أن يستقر الأجنبي على الزوجة الملائمة، يتفق الطرفان بحضور أحد المحامين وأهل الفتاة على المقابل المالي.
و يحتل السعوديون المرتبة الأولى في التعاقد مع سماسرة أو محامين مصريين، للحصول على قاصرات للزواج العرفي أو لزواج المتعة، فيما يحتل الكويتيون المرتبة الثانية ثم الإمارات والبحرين، ويكون الصيف هو موسم الرواج، إذ يتوافد الأثرياء العرب على مصر لقضاء العطلات، وتختلف الأسعار طبقًا لمواصفات الفتاة، فوضع السماسرة أسعاراً وصلت إلى 150 ألف جنيه للفتاة العذراء، أما التي سبق لها الزواج فيتراجع المبلغ إلي 50 ألفا، وهناك حالات عديدة لفتيات لم يتجاوز أعمارهن العشرين عاماً تزوجن أكثر من 5 مرات وقمن بترقيع غشاء بكارتهن في كل زيجة بهدف جمع المال، ويحصل السماسرة علي 80% من المال الذي يدفع كمهر للبنات ويدفعون لأهل الضحية مبلغاً بسيطاً مستغلين بذلك فقرهم وشدة حاجتهم للمال.
ولم يكن السماسرة فقط هم من وضعوا “تسعيرة” للفتيات المصريات العاملات بتجارة الزواج السياحي أو ما أسماه البعض “السياحة الجنسية”، فشاركت الحكومة أيضًا بقوانين سهلت هذا النوع من الزوجة، في نوع من المباركة الرسمية –أطلق عليها الحقوقيون اسم الدعارة المقننة-، ففي العام 2015، نشرت الجريدة الرسمية، قرار وزير العدل وقتها، المستشار أحمد الزند، بتعديل بعض أحكام قانون التوثيق الخاص بزواج الأجنبي من مصرية، وذلك من خلال إلزام الأجنبي بتقديم شهادات استثمار دورية في المصرف الأهلي المصري بقيمة 50 ألف جنيه (نحو ستة آلاف دولار)، باسم الزوجة، واستيفاء المستندات المطلوبة لدى مكتب التوثيق، إذا ما تجاوز فارق العمر بينهما الـ 25 عاماً عند توثيق العقد، في خطوة هاجمها كثيرون من المهتمين بملف حقوق المرأة في مصر، واعتبروها تقنين لوضع غير آدمي يقع تحت طائلة الاتجار بالبشر.
و تبلغ نسبة زواج القاصرات في مصر 15% من نسبة الفتيات المتزوجات، إلا أن الإحصائيات غير دقيقة، نظرًا لانتشار الزواج السياحي والذي لا يوثق في أغلب الحالات، فيمتد لزواج المُتعة أو ما يسميه العلماء زواج بنية الطلاق؛ حيث تعلم المرأة أو وليها فيه بنية الطلاق بعد مدة محددة، فيتمتع الرجل بالفتاة لمدة ثلاثة أيام أو أسبوع، ويُطلّقها بحثًا عن أخرى، أو ليتم بيعها مجددًا لرجل آخر، في عمليات يسميها الوسطاء في هذا المجال عمليات البيع من أجل الجنس، فهو مجرد زواج مؤقت بعقد عرفي لا يدوم أكثر من أسبوع، قانون العدة لا يعترف به أهل الفتاة أو الوسطاء، فبمجرد طلاقها من الممكن أن تتزوج رجل آخر بعقد عرفي حتى يُطلقها هو الآخر.
في عام 2006، نشرت صحيفة “لانتلجنت” الفرنسية، تقريرًا يفيد بأن هناك نحو 40 ألف حالة زواج بين العرب في هذا العام، مثّل الزواج السياحي منها ما يقارب 15%، وخرجت مصر بمركز الصدارة في القائمة، وبلغ عدد الفتيات المصريات اللائي تزوجن من أجانب في 2006، حوالي 1202 فتاة، فيما بلغ عدد الذكور المتزوجين من أجنبيات 845 حالة، كما شهد نفس العام، زواج 8 مصريين بسعوديات.
فيما كشف دراسة مصرية، أجريت بالتعاون بين وزارة التضامن الاجتماعي مع منظمة “اليونيسيف” في العام 2009، عن خطورة الزيجات التي تحدث بين الفتيات المصريات من الأجانب والعرب بشكل خاص، حيث وصلت حالات الزواج من العرب، وقتها، إلى ما يزيد على 40 ألف سيدة مصرية، تواجهن مشاكل يومية، بالإضافة إلى أبنائهن البالغ عددهم أكثر من 150 ألف ولد وبنت، وشددت الدراسة على أن نتائج هذا الزواج سلبية وغير محمودة العواقب في أغلب الحالات، خاصة أن الزواج من الأجانب يترتب عليه العديد من الأضرار، في مقدمتها ضياع حقوق الزوجات وتعرضهن لمشاكل نفسية وصحية فضلا عن المعاملة السيئة من قبل الأزواج الأجانب.
فيما أظهر تقرير حديث أصدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في العام 2018، أن عدد عقود الزواج التي تم تحريرها بين مصريين وأجانب ارتفع إلى ما يقارب 9 آلاف عقد خلال عام 2017، حيث استحوذ الرجال المصريين على النصيب الأكبر بـ 5.8 ألف عقد، مقابل 2.5 ألف عقد للمصريات.
وكانت دار الإفتاء المصرية قد أصدرت فتوى شرعية ببطلان هذا النوع من الزواج، وجاء نص الفتوى:” أن تأقيت النكاح بمدة معينة طالت أم قصرت يقتضي بطلان العقد، لأن طبيعته الدوام والاستقرار، والزواج المؤقت صحيح شكلا من حيث استيفائه جميع شروط وأركان الزواج الشرعي إلا أنه فاسد من حيث الجوهر”، وأصدر مجمع البحوث الإسلامية فتوى أيضًا تنص على بطلان هذا الزواج واعتباره فاسدا.