نجح أباطرة الثروة العقارية أصحاب الحصانة من أعضاء مجلس النواب، في خداع رئيس مجلس النواب، لتبني موقفهم في قضية بطلان عقود الإيجارات القديمة للشخصيات الاعتبارية، ليستغلوه في تطبيق القانون على كل الوحدات السكنية المؤجرة لغير غرض سكني، ويفرغوا ما يقرب من 3 ملايين وحدة من مستأجريها في وقت واحد.
بدأت القضية بصدور حكم من المحكمة الدستورية العليا في مايو 2018 قضى ببطلان عقود الإيجارات القديمة للأشخاص الاعتبارية “المقصود به عقود البنوك والشركات الحكومية التي استأجرت بها عقارات من مواطنين” وطلبت المحكمة وقتذاك من مجلس النواب بإصدار قانون قبل انتهاء دول الانعقاد الجديد (الذي ينتهي نهاية الأسبوع الجاري) فتقدمت الحكومة بمشروع قانون بتنفيذ حكم الدستورية بعد 5 سنوات على أن يتم رفع القيمة الإيجارية خمسة أضعاف قيمتها الحالية هذا العام، وتزيد بشكل سنوي بنسبة 15 في المائة.
تلقفت لجنة الإسكان بمجلس النواب، والتي تضم أباطرة شركات العقارات في مصر وعلي رأسهم رئيس اللجنة المهندس علاء والي صاحب واحدة من أكبر شركات العقارات، القانون من الحكومة، وتلغي من القانون كلمة “الاعتبارية” ليتم تطبيق القانون على كل الوحدات المؤجرة لغير غرض السكن، لتضيف بذلك 2.9 مليون وحدة مؤجرة في مصر منها المحلات التجارية بجميع أنواعها، والوحدات السكنية المؤجرة لمكاتب المحاماة وعيادات الأطباء وغيرها.
جدير بالذكر أن لجنة الإسكان بمجلس النواب تضم في عضويتها أكبر ملاك لشركات العقارات في مصر مثل علاء والي وإسماعيل نصر الدين، وأمين مسعود، ومعتز محمد محمود.
ولتمرير هذا التعديل لجأ أصحاب المصالح في لجنة الإسكان لحيلة جديدة، وهي مغازلة قدرات علي عبد العال الدستورية، وادعاءه الدائم القدرة على الحكم بدستورية أو عدم دستورية التشريعات، فأرسلوا إليه مذكرة من مجلس الدولة حول تفسير حكم الدستورية، مرفقة بالقانون الذي أرسلته الحكومة مع التعديل الذي أدخلوه.
وتشير المذكرة “المدسوسة” إلى أن حكم “الدستورية” قضى ببطلان عقود الإيجارات القديم للأشخاص الاعتباريين المؤجرة لغير غرض السكن، فاستغل “والي” جملة “لغير غرض السكن” لإقناع رئيس مجلس النواب أن حكم الدستورية ينسحب على كل الوحدات المؤجرة لغير غرض سكني، وإنه في حال تطبيقه على الأشخاص الاعتبارية فقط “كالبنوك والشركات” سيقضى بعدم الدستورية مرة أخرى، وأنه لا مناص من تطبيق القانون على كل الوحدات المؤجرة لغير غرض السكن.
إلا أن رئيس لجنة الإسكان، لم يكشف لـ”عبد العال” أن مذكرة مجلس الدولة بتاريخ سابق عن إعداد القانون الذي أرسلته الحكومة، وأن الحكومة بالفعل اتطلعت على هذه المذكرة، وأرسلت القانون بنفس الصيغة التي جاءت من المحكمة الدستورية وهي “أن يطلبق القانون على الأشخاص الاعتبارية فقط”، ولم يلحظ رئيس مجلس النواب الفارق بين تاريخي مذكرة مجلس الدولة والقانون الحكومي”، وهو ما حاول شرحه المستشار عمر مروان وزير شؤون مجلس النواب، لرئيس مجلس النواب، قائلاً: أن الحكومة التزمت حرفيا بحكم المحكمة الدستورية.. وأن المحكمة الدستورية لا يمكن أن تصدر حكماً قد يطعن عليه بعدم الدستورية أو ينسحب إلى حالات أخرى” وهو ما اعتبره رئيس مجلس النواب إهانة من الوزير لقدراته الدستورية، وأنهي كلمة الوزير ولم يسمح له بالحديث مرة أخرى وطلب بحذف كلمة الوزير من المضبطة بإعتبارها إهانة لمجلس النواب ككل.
لكن “جاءت الضربة من الأصدقاء قبل الأعداء” بإعلان الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن صاحب الأغلبية النيابية، رفض التعديل الذي أدخلته اللجنة، وطلبت على لسان النائب عاطف ناصر رئيس الهيئة بالموافقة على النص كما جاء في قانون الحكومة وليس كما صاغته لجنة الإسكان، وسط اندهاش رئيس المجلس، ليتلقي الضربة الثانية بإعلان النائب عبد الهادي القصبي رئيس ائتلاف دعم مصر “ائتلاف الأغلبية” رفضه أيضاً للتعديل، وطلب العودة للقانون كما جاء من الحكومة، وانضم إليهم النائب أحمد السجيني رئيس لجنة الإدارة المحلية، ليجد رئيس مجلس النواب نفسه بمفرده في مواجهة الأغلبية والمعارضة، باستثناء النواب أصحاب المصالح من أصحاب شركات العقارات، والذين تواروا بين الجلوس في القاعة، ليعلن “عبد العال” إرجاء مناقشة القانون لجلسة أخرى، وتمسك برأيه أنه لن يعرض قانون للتصويت وبه شبهة عدم الدستورية.
من جانب أخر أعتبر نواب المعارضة “تكتل 25-30″ إرجاء المناقشة انتصاراً لهم، وقال النائب محمد عبد الغني لـ”البلاغ” أن أصحاب المصالح في لجنة الإسكان خدعوا رئيس المجلس، وارسلوا إليه مذكرة مجلس الدولة وأغفلوا عنه أن هذه المذكرة صدرت قبل إرسال القانون وان الحكومة بالفعل اتطلعت عليها وصاغت القانون مناسباً لما جاء في حكم الدستورية وفي مذكرة قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، مشيراً إلى أن تمرير القانون بالتعديل الذي أدخلته لجنة الإسكان كان من شأنه أن يفرغ نحو 3 مليون وحدة مستأجرة في وقت واحد “وسيجد ملايين المصريين أنفسهم في الشارع” .
وفي حال عدم صدور القانون، خلال هذا الأسبوع فإنه سيتم تطبيق حكم الدستورية مع إعلان انتهاء دور انعقاد مجلس النواب، ويستطيع وقتها أصحاب الأملاك استرداد أملاكهم من الحكومة أو القطاع الخاص سواء كانت مقرات للشهر العقاري أو الضرائب أو بنوك تم استئجار مقاراتها بعقود إيجار قديم قبل عام 1996.