في مثل هذا اليوم 28 فبراير 1958 توفي العالم الجليل الشيخ محمد الخضر حسين، شيخ الأزهر، بعد حياة حافلة بتلقي العلم، ثم تأليفه عدة كتب إسلامية وفكرية قيمة.
وولد محمد الخضر حسين في مدينة نفطة بتونس في 26 رجب سنة 1293هـ/ 16 أغسطس 1876م، وأصل أسرته من الجزائر، من عائلة العمري، من قرية طولقة (ببسكرة)، وهي واحة من واحات الجنوب الجزائري، وأصل أمه من وادي سوف بالجزائر أيضًا وأبوها هو الشيخ مصطفى بن عزوز وخاله الشيخ محمد المكي بن عزوز.
واسم الشيخ هو محمد الأخضر بن الحسين بن علي بن عمر، فلما جاء إلى الشرق حذف “بن” من اسمه على الطريقة المشرقية، وغلب عليه الخضر عوضًا عن الأخضر، ونشأ الشيخ في أسرة علم وأدب من جهتي الأب والأم، وكانت بلدة نفطة التي ولد فيها موطن العلم والعلماء، حتى إنها كانت تلقب بالكوفة الصغرى، وبها جوامع ومساجد كثيرة، وهي واحة بها زرع وفيها فلاحون.
ونشأ الشيخ في هذه البيئة طالبًا للعلم، فحفظ القرآن، ودرس العلوم الدينية واللغوية على يد عدد من العلماء منهم خاله الشيخ محمد المكي بن عزوز الذي كان يرعاه ويهتم به، وحاول الشيخ منذ سن الثانية عشرة أن يقرض الشعر، ثم برع فيه بعد ذلك.
ولما بلغ الشيخ سن الثالثة عشرة انتقل إلى تونس مع أسرته ودرس في جامع الزيتونة، وهناك درس على خاله محمد المكي بن عزوز الذي كان له شهرة كبيرة بالجامع ويدرس فيه مجانًا، ودرس على يد مشايخ آخرين أبرزهم الشيخ سالم بوحاجب الذي كان من أعمدة الإصلاح في تونس، درس على يديه صحيح البخاري، وقد تخرج الشيخ في الزيتونة سنة 1316هـ/1898م، وألقى دروسًا في الجامع في فنون مختلفة متطوعًا، وبقي كذلك مع حضور مجالس العلم والأدب المختلفة.
ورحل الشيخ في أول أمره إلى الشرق سنة 1313هـ، وما كاد يصل إلى طرابلس الغرب ويستقر بها حتى عاد إلى تونس فلازم جامع الزيتونة ، وفي شهر محرم سنة 1322هـ/ إبريل 1904م أنشأ مجلة “السعادة العظمى”، وهي أول مجلة عربية ظهرت في تونس، وكانت تصدر كل نصف شهر، ولم يصدر منها سوى 21 عددًا ثم انقطع صدورها، وقد كان الشيخ يكتب أغلب مقالاتها .
وولي الشيخ قضاء بنزرت 1324هـ 1905م وقام بالتدريس في جامعها الكبير، ومالبث أن استقال وعاد إلى تونس وتطوع للتدريس في جامع الزيتونة، ثم إحيل إليه تنظيم خزائن كتب الجامع، في سنة 1325 هـ، وشارك في تأسيس الجمعية الزيتونية، وخلالها عين مدرسا رسميا بجامع الزيتونة، وقام خلال هذه الفترة بالتدريس والخطابة في الجمعية الخلدونية، فلفت الأنظار بسعة علمه.
ورحل الشيخ إلى الجزائر وزار أمهات مدنها، وألقى بها دروسا مفيدة، ومالبث أن عاد إلى تونس، وإلى التدريس بجامعها، وقد حاولت في هذه الفترة السلطات الفرنسية ضمه إلى المحكمة الفرنسية فرفض بشدة، وفي سنة 1329 هـ وجهت له تهمة روح العداء للغرب وخاصة سلطات الحماية الفرنسية، فأحس الشيخ بأن حياته وحريته في تونس معرضة للخطر، فسافر إلى إسطنبول بحجة زيارة خاله بها، وبدأ رحلته بمصر ثم دمشق فإسطنبول، وعندما سمع بأن الأحوال هدأت بتونس عاد إليها عن طريق نابولي الإيطالية، لكنه وجد أن الأمر ازداد تعقيدا، فأزمع الهجرة نهائيا واختار دمشق موطنا ثانيا له، وخلاله رحلته مر بمصر والتقى بمشايخها الكبار الساكنين بها مثل الشيخ طاهر الجزائري ومحمد رشيد رضا والشيخ محب الدين الخطيب.
وحصل على عضوية هيئة كبار العلماء برسالته “القياس في اللغة العربية” سنة (1370 هـ- 1950م)، ثم اختير شيخا للأزهر في 26 ذي الحجة 1371هـ/16 سبتمبر 1952م)، واستقال في (2 جمادى الأولى 1373 هـ /7 يناير 1954م).
واستقال من مشيخة الأزهر في 7 يناير عام 1954 م – 2 من جمادى الأولى 1373هـ احتجاجاً علي إلغاء القضاء الشرعي ودمجه في القضاء المدني.
أما مؤلفاته فهي: رسائل الإصلاح، وهي في ثلاثة أجزاء، وديوان شعر “خواطر الحياة”، وبلاغة القرآن، وأديان العرب قبل الإسلام، تونس وجامع الزيتونة، تونس، 67 عاما تحت الاحتلال الفرنساوي 1881-1948، حياة ابن خلدون ومثل من فلسفته الاجتماعية، دراسات في العربية وتاريخها، الرحلات، الحرية في الإسلام، الخيال في الشعر العربي، آداب الحرب في الإسلام، تعليقات على كتاب الموافقات للشاطبي، نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم، نقض كتاب في الشعر الجاهلي، إلى جانب بحوث ومقالات نشرت في مجلة الأزهر (نور الإسلام) ولواء الإسلام والهداية الإسلامية.
وتوفي في 13 رجب 1377 هـ /28 فبراير 1958م.