بالفعل لا أحد يشعر بقوته، فقد يبدو للجميع أنه ضعيف و” قليل الحيلة” في حديثه، لكن الواقع يثبت أنه نجح أكثر من مرة في إجبار الأغلبية البرلمانية على تمرير قراراته، والتي كانت دائماً عكس ما تريد الأغلبية سواء من حزب مستقبل وطن صاحب الأكثرية الحزبية، أو ائتلاف دعم مصر صاحب الأغلبية البرلمانية في المجلس، مستخدماً كل أدواته سواء القانونية والدستورية، أو احتكاره للقرار النهائي من المنصة، أو بالتهديد تارة أخرى.
“البلاغ” رصدت عدد من المعارك التي خاضها “عبد العال” أمام الأغلبية البرلمانية والحكومة أحياناً في دور الأنعقاد السابق.
“قانون المخدرات” كان البداية:
بدأت أول الصدامات بين رئيس المجلس والأغلبية النيابية، خلال مناقشة تعديلات قانون مكافحة المخدرات، عندما أعاد رئيس المجلس التعديلات – علي غير رأي الأغلبية – للجنة التشريعية، لإعادة صياغته من جديد، وهو ما رفضه حزب مستقبل وطن وائتلاف دعم مصر، فرد “عبد العال إن ضميره وتاريخه القانوني منذ عام 1959 حتى الآن لا يمكن أن تسمح بإقرار نص غير منضبط، والمجلس لا يمكن بأى حال أن يمرر قانون به نص غير منضبط أو به شبهة عدم دستورية”، وهو ما لم يعجب نواب الأكثرية وحاولوا مقاطعته أكثر من مرة، فوجه حديث عنيف للنائب عاطف ناصر رئيس الهيئة البرلمانية لـ”مستقبل وطن” قائلا: “لن أقبل هذه الطريقة.. ولن أقبل توجيه إشارات معينة للنواب، ولن أسمح بوجود مراكز قوى داخل المجلس حتى لو اضطررت لمغادرة هذا المكان”، ثم وجه حديثه لعموم النوائب قائلاً: “لن أقبل الفوضى التى تحدث أثناء مناقشة التشريعات مثلما حدث فى التعديلات الدستورية عندما حاول البعض توجيه النواب لرفض مواد معينة.. وضميرى المهنى يجعلنى لا أقبل هذه الطريقة ومحاولة أن يختطف أحد الأغلبية، وستكون لى وقفة حاسمة.. وسأدعوكم لجلسة خاصة لكشف ما يروج إليه مثل هذا النائب حتى تكون الحقيقة واضحة للجميع”.
ولكن بعد جلسة صلح تمت على هامش الإفطار الرمضانى لحزب مستقبل وطن، وبعد شهر تقريباً من الواقعة، نجح عبد العال فى إصدار القانون بعد أن أعادت اللجنة التشريعية صياغته بشكل يرضي رئيس المجلس.
يتحدى الأغلبية والحكومة ويؤجل “الإيجار القديم”:
كانت ثاني معارك رئيس المجلس مع الأغلبية والحكومة معاً هذه المرة، أثناء مناقشة قانون الإيجار القديم للشخصيات الاعتبارية، والتي استخدم فيها “عبد العال” صلاحياته كرئيس للبرلمان في إلغاء التصويت على القانون وتأجيل مناقشته لجلسة أخرى، بسبب قناعته بعدم دستورية نص القانون الذي تقدمت به الحكومة.
وشهدت الجلسة مناقشات حادة وصلت لصدام مباشر بين رئيس المجلس، و المستشار عمر مروان وزير شؤون مجلس النواب، والذى انحازت له الأغلبية البرلمانية فى القانون، ضد رئيس المجلس.
وبدأ الصدام بهجوم عنيف من “عبد العال” على نص الحكومة الذى انحصر فى تطبيق القانون على الشخصيات الاعتبارية فقط، وهو ما اعتبره رئيس النواب سيكون سببا فى عدم دستورية القانون، وقال إن التعديلات التى أدخلتها لجنة الإسكان على القانون ليتم تطبيقه على كل الوحدات المؤجرة لغير غرض السكن، تلغى شبهة الدستورية فى القانون.
ورد عليه وزير شؤون مجلس النواب، وقال إن الحكومة عندما تقدمت بمشروع القانون التزمت حرفيًا بحكم المحكمة الدستورية، ليطبق القانون على الأشخاص الاعتبارية فقط، وهنا صفق النواب للوزير، وهو ما أثار غضب رئيس المجلس، قائلا: “إحنا مش جايين نسقف للحكومة ولو استمر الحال كذلك هرفع الجلسة”.
وأضاف الوزير أن المحكمة الدستورية إذا كانت ترى أن الحكم سيؤثر على دستورية أوضاع أخرى لنصت على هذا الأمر فى حكمها، لكن هذا لم يحدث، مشيرًا إلى أن بعض النواب يسىء للنص الحكومى ويقول إنه غير دستورى، في إشارة لرئيس المجلس، فقاطعه “عبد العال” قائلاً: “مجلس النواب من حقه أن يقول إن النص دستورى أو غير دستورى، وإلا فلا داع لمناقشة القوانين التى تقدمها الحكومة.. وهذا كلام مرفوض” وعندما حاول «مروان» الرد، رفض عبدالعال السماح له، قائلا: “كلماتك كانت واضحة، أنا بستوعب كويس جدًا، ولن أقبل الإساءة للمجلس” ليجلس الوزير ويلقي بأوراقه على الطاولة بعنف في تصرف يكشف غضب الحكومة من رئيس مجلس النواب.
موقف الحكومة من القانون لم يكن سبب غضب “عبد العال” وإنما كانت المفاجأة هي إعلان النائب عاطف ناصر رئيس الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن، (حزب الأغلبية) وتبنيه للمقترح الحكومى هو ما أغضب رئيس المجلس، عندما قال “ناصر” إن حزبه موافق على النص كما جاء من الحكومة.
وتلقي “عبد العال” المفاجأة الثانية بإعلان النائب عبدالهادى القصبى رئيس ائتلاف دعم مصر،أيضاً تبنيه موقف الحكومة وينضم للكتلة الرافضة لرأي رئيس المجلس، وأمام هذا التكتل الرافض لرأي رئيس المجلس، رفض عبد العال التصويت على القانون وأعلن تأجيل مناقشة مشروع القانون لجلسة أخرى، رغم أن حكم المحكمة الدستورية كان قاطعاً بأن يصدر القانون خلال دور الانعقاد الرابع.
و يرفض الغرفة الثانية للتشريع:
نجح الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب، في تأجيل انتخابات مجلس الشيوخ، والذي كانت تسعى الأغلبية البرلمانية من ائتلاف دعم مصر وحزب مستقبل وطن، إلى إجراءها في أكتوبر المقبل، ليكون “الشيوخ” الغرفة الثانية للتشريع بجانب مجلس النواب، إلا أن انتهاء دور الانعقاد الرابع للبرلمان، يعنى أن الانتخابات لن تتم قبل ديسمبر المقبل أو بداية العام الجديد، بعد عودة المجلس للانعقاد في أكتوبر.
بدأت الأزمة بأن تقدم النائب عبد الهادي القصبي رئيس ائتلاف دعم مصر بمشروع قانون “انتخابات مجلس الشيوخ” يوم الخميس 11 يوليو الماضي، بعد أن أجبرت الأغلبية البرلمانية، رئيس المجلس على مد دور الانعقاد لأسبوع أخر، للانتهاء من قوانين المحاماة والتأمينات والمعاشات والجمعيات الأهلية، ويدخل قانون “مجلس الشيوخ” ضمن القوانين التي كان تسعى الأغلبية البرلمانية لتمريرها سريعاً، وهو ما يتعارض مع رأي “عبد العال” الذي أعلن أكثر من مرة رفضه لوجود مجلس الشيوخ، وقال في الجلسة العامة قبل أسبوع أنه كان يقود معسكر رفض مجلس الشوري أو الشيوخ، ولا يجد مبرراً لوجوده (أي مجلس الشيوخ)، إلا أن السرعة التي أعد فيها “دعم مصر” مشروع القانون يعكس مدى أهمية “الغرفة الثانية للتشريع” لدى الائتلاف.
وبعد أن نجح “دعم مصر” في مد دور انعقاد المجلس أسبوعاً أخر، لإدراج قانون “مجلس الشيوخ” ضمن جدول أعمال جلسات الأسبوع التالي والأخير للبرلمان، فوجئ نواب الأغلبية أن رئيس المجلس لم يحيل القانون للجنة التشريعية لأعداد تقرير بشأنه ثم إعادته للجلسة العامة للمناقشة والموافقة عليه، إلا أن هذا لم يحدث، واكتفي رئيس المجلس بقوانين المحاماة والتأمينات والجمعيات الأهلية والمحاكم الاقتصادية.
الأغلبية تحاول “لي ذراعه” بالانسحاب فيهدد بكشف رواتبهم:
حاول نواب الأغلبية البرلمانية “لي ذراع” رئيس المجلس، في الجلسة الختامية، بأن خرجوا من القاعة بعد التصويت على قانوني المحاكم الاقتصادية والجمعيات الأهلية، ويتبقى قانوني “المحاماة” و”التأمينات والمعاشات” والتي تستوجب موافقة ثلثي أعضاء المجلس على الأقل، ليحرموا رئيس المجلس من تمرير القانونين، إلا أن “عبد العال” استخدم ضدهم لغة التهديد أكثر من مرة، بتحميلهم مسئولية عدم إصدار هذه القوانين أمام الرأي العام والدولة المصري، بأن قال لهم أن مايفلعوه لن يكون في صالحهم أمام الرأي العام، وأمام ناخبيهم، وهددهم بأنه سيعلن أسماء هؤلاء النواب أمام الشعب ليعلم من وراء تأخر القوانين، وتابع:” النواب يتقاضون مكافئات على حضور الجلسات وسأضطر لإعلان هذه المكافئات للرأي العام ليعلموا ماذا تتقاضون مقابل جلسات لا تحضروها وهذا لن يكون في صالح هؤلاء النواب في الانتخابات القادمة”
ومع تكرار تهديد رئيس المجلس، عاد نواب الأغلبية على مضد بشكل فردي إلى القاعة، عندما قال أن لديه توجيهات بالانتهاء من هذه القوانين، فدخلوا القاعة بعد أن تيقنوا أن رئيس المجلس لن يرضخ أمامهم هذه المرة، ولن ينجحوا في تمرير قانون انتخابات مجلس الشيوخ، وعادوا للقاعة وقاموا بالتصويت بالموافقة على مشروعات القوانين المتبقية، وانصرف الأغلبية عقب التصويت مباشرة، حتى أنهم لم ينتظروا قراءة رئيس المجلس، لخطاب رئيس الجمهورية الذي يعلن فيه انتهاء دور الانعقاد الرابع للمجلس.