سادت حالة من التضارب في الإحصاءات المتداولة على صفحات الصحف والمواقع الإخبارية بشأن تعداد الشيعة في مصر حيث افتقرت إلى الدقة، وتراوح تعدادها بحسب ما تم نشره ما بين 15 إلى 20 ألف شيعي، وبعد يناير 2011، بدءوا في الظهور إلى الساحة وبقوة، ونالوا مساحة من الحركة والحرية -مقارنة بذي قبل- ما جعلهم يطالبون بممثلين لهم في لجان الدستور سواء 2012 أو2014.
تاريخ مصر على خارطة التشيع
تحتل مصر مركزاً متقدماً على خارطة المذهب الشيعي منذ البدايات الأولى للظهور في مصر، فالشيعة دائماً ما ينظرون إلى مصر وموقعها نظرة خاصة، ويذكر التاريخ نجاح إحدى طوائف الشيعة في إنشاء الدولة الفاطمية العبيدية، التي يثنى عليها الشيعة المعاصرون، حيث استطاعت نشر مذهبها بين عامة المصريين، كما بنى الفاطميون الجامع الأزهر في الأساس لنشر المذهب الشيعي، كما أقاموا ما يعرف بدار الحكمة وهي مركز ثقافي كانت مهمته هي نشر التعاليم الشيعية، ورغم كافة محاولاتهم، إلا أنهم فشلوا في نشر مذهبهم بمصر، ما اضطرهم إلى اللجوء إلى منع قراءة كتب المذاهب الأخرى، وتهميش أهل السنة.
المذهب الشيعي في أروقة الأزهر
وفي العصر الحديث، نجح الشيعة في الحصول على فتوى من الشيخ «شلتوت» بجواز تدريس المذهب الشيعي في الأزهر، وهو ما عُدّ إنجازًا مهمًا وحلماً كان صعب المنال، خاصة مع معارضة العديد من علماء مصر لهذا الأمر، ولكن كانت العلاقة المتميزة بين الرئيس المصري أنور السادات وشاه إيران في تلك الفترة هي إحدى أسباب تدريس المذهب، فقد تم تأسيس بعض الجمعيات والهيئات الشيعية، مثل جمعية آل البيت التي تأسست سنة 1973م.
وكان دعاة الشيعة يفدون على مصر، ومن بين هؤلاء مرتضى الرضوى، الذي قام برحلتين لمصر سجلهما في أحد كتبه، يقول الورداني: «وحرص السيد الرضوي على استقطاب الرموز الإسلامية والثقافية في مصر، فكان لا يطبع كتابًا في مصر إلا ويكون قد كتب مقدمته واحد من هؤلاء الرموز، ولم يكن نشاط السيد الرضوى ينحصر في محيط الرموز الإسلامية والثقافية، وإنما تجاوز هذا الحد وأجرى اتصالات مع بعض المسئولين فى محيط الثقافة وبعض الصحفيين».
النفق المظلم للشيعة في مصر
أثناء قيام «الخميني» بثورته في إيران، توترت العلاقات بين إيران ومصر ودخلت نفقاً مظلماً، إلا أن ذلك لم يمنع وجود بعض المتشيعين الجدد، مثل صالح الورداني، والذي أسس مكتبة دار الهدف، لنشر كتبه في عام 1989، ومن «الخميني» إلى تولى «خاتمي» الرئاسة الإيرانية والتقارب مع الدول العربية، عاد الحديث مجددًا عن الاختراق الشيعي، والذي بلغ ذروته في الأعوام الماضية.
وكان محمد الرديني قد أعلن عزمه تأسيس حزبًا يمثل شيعة مصر -رغم أن الدستور المصري يرفض تأسيس الأحزاب على أساس ديني-، وبجانب ذلك عمل الشيعة على اختراق النشاط الثقافي في مصر عبر طرح الكتب بمعارضها والدوريات لحض الناس على التشيع، وفيما يبدو أن محاولات الشيعة في ذلك الصدد بدأت تؤتى ثمارها في الآونة الأخيرة إذ طفا على السطح عدداً من الشخصيات ذات المرجعية الشيعية مؤخراً.
فيما نفى المفكر الشيعي، أحمد راسم النفيس، وجود إحصائية دقيقة بتعداد الشيعة في مصر قائلاً: «ليس لدينا أي تقرير أو إحصائية تفيد وصول الشيعة في مصر إلى رقم محدد»، معلقاً على الأرقام التي ذكرت في التقارير الصحفية بأنها غير دقيقة وتفتقر للمصداقية مضيفاً: «الله أعلم».
وأضاف «النفيس» لـ«البلاغ» أن نشاط الشيعة الآن ينحصر في الصلاة والقيام والعبادة وممارسة الشعائر والطقوس الدينية فقط، موضحاً أن المشاركة البناءة في المجتمع لا تكون عن طريق السياسة فقط بل عن طريق نشر الخلق السليم والارتقاء الفكري في المجتمعات العربية والإسلامية وهي قضية أكبر من أي مشاركة أخرى.
وأشار المفكر الشيعي إلى أن الشيعة لا يسعون إلى تمثيل برلماني أو سياسي في الدولة، معللاً ذلك بأن البرلمان حالته لا تسر عدواً ولا حبيباً، مؤكدًا أن الحياة السياسية لمن أرادها قائلاً: «كل يغني على ليلاه».
3 محافظات على حافة التشيع
فيما قال وليد إسماعيل، منسق تحالف آل الصحب والباحث في شؤون التشيع، إن هناك 3 من محافظات مصرية تعد تربة خصبة لبث الفكر الشيعي في مصر، مشيراً إلى أنه على رأس تلك المحافظات محافظة أسوان منطقة كوم أمبو.
وأرجع «إسماعيل» السبب إلى قربها من السودان التي تشهد هي الأخرى مشروع انتشار شيعي كبير، ما يعنى أن هناك مخططًا لتشكيل تكتل شيعي داعم لإيران في منطقة جنوب مصر وشمال السودان، بحسب تصريحاته.
وأضاف «إسماعيل» في تصريحات صحفية سابقه، أن من ضمن المحافظات أيضًا، محافظة الدقهلية، وتحديدًا في المنصورة، حيث يوجد أحد أشهر الشخصيات الشيعية المصرية، وهو الدكتور أحمد راسم النفيس، المفكر الشيعي المعروف، ولفت إلى أن محافظة المنوفية أيضًا دخلت في قائمة مناطق التشيع، وإن لم يكن بشكل ملحوظ، وتحديدًا مركز قويسنا.
«عيد»: السنة هم الأكثرية وعليهم أن تعايشوا مع الأقليات
من جانبه قال سامح عيد، الباحث في الحركات الإسلامية، إن الشيعة مواطنون مصريون ولهم كامل الحق في ممارسة شعائرهم وطقوسهم الدينية وفي النهاية مشيراً إلى أن هناك نعرة تعصب تسود المجتمع المصري ضد الأقليات يجب أن نتغلب عليها.
وأضاف «عيد» لـ «البلاغ» أنه لا يعتقد أن الشيعة يسعون وراء منصب سياسي لأنهم يتعرضون للتحريض ضدهم من قبل بعض السلفيين، موضحاً أن المواطن الشيعي حسن شحاتة قتل قبل كدا وتم سحله، فيجب أن نعزز مفهوم التعايش ونكون أكثر تسامحاً.
وتابع: «أتمنى أن تهدأ حدة ووتيرة التعصب، وإذا كان الشيعة يريدون إقامة «حسينية» فليقوموا بأدائها ويصلونها» داعياً الدولة إلى إنشاء مدينة سياحية يكون فيها دور عبادة لكافة الأديان والمذاهب وهذا المزار السياحي سيحج إليه الناس من كل بقاع الأرض بحسب تعبيره.