خرجنا في اتجاه طريق السويس، أنا في سيارتي والفريق في سيارةٍ أخرى، ضلت سيارة الفريق طريقها نظرًا لبعد المسافة عن المدن الجديدة، وظللنا أكثر من ساعةٍ ونصف الساعة في البحث عن ما يسمى (منصة المشاهدة) وهو المكان المتفق عليه لإجراء حوار حول العاصمة الإدارية الجديدة.
وفي الطريق سرحت بخاطري في هذا الكم من الموظفين الإداريين والعاملين بالوزارات الحكومية المختلفة والتي من المفترض أن تنتقل بدورها إلى العاصمة الإدارية الجديدة، طول المسافة التي يقطعها الموظف ذهابا وإيابا إلى عمله، خاصة وأن رئيس الجمهورية الحالي عبدالفتاح السيسي رفض من قبل تحمل نفقات المسكن أو الانتقال عند افتتاح مجمع الإسمنت التابع للقوات المسلحة في محافظة بني سويف، حيث أكد وقتها رفضه تخصيص سيارات لنقل العمال عبر نقاط تجمع إلى مكان العمل نظراً لما تتحمله الشركة من تكلفة نقل، على حد تعبيره.
وبعد استغراق في التفكير، عدت مرة أخرى للتركيز في الترتيب للحوار، لأن ضيفي كان المتحدث الرسمي للعاصمة الإدارية الجديدة وهو منصب حديث من نوعه، فقاهرة المعز ليس لها متحدث.
عندما بدأت الإعداد للحلقة قرأت أنه من المقرر نقل البرلمان المصري وعدد من الوزارات في منتصف ٢٠١٩، لكن ضيفي صحح المعلومة وقال إنها في منتصف عام ٢٠٢٠.
وفي أثناء الرحلة للوصول إلى العاصمة الجديدة توقفنا أمام محطة لتحصيل رسوم مرور على الطريق الإقليمي الدائري قدرها عشرة جنيهات -وكأنها محافظة مستقلة- فلكل محافظة في مصر محطة تحصيل رسوم، كأنك خرجت بالفعل من المحافظة القديمة ودخلت الجديدة، ولكن هل تدخل هذه الأموال في الموازنة العامة للدولة؟ أم في حصيلة من له حق التحكم في الطرق؟
لم نرَ إشارات أو علامات استرشادية عن موقع العاصمة. نحن تائهون في صحراء بها مبانٍ مترامية الأطراف، وشبكة طرق ممهدة، وعربات النقل تملأ الأرجاء تعلن عن عملٍ جاد، عمارات أنيقة ولكنها تقف وحيدة في مواجهة أرضٍ صحراوية واسعة.
ويبدو للعيان أن هناك مجهوداً كبيراً بذل لتمهيد الأراضي وعمل شبكة طرق وإدخال الكهرباء وإنشاء بنية تحتية كبيرة في بلدٍ به أكثر من ٣٠ مليون مواطن تحت خط الفقر، بحسب الإحصاءات الرسمية، فكيف له أن يتحمل بناء هذا الصرح المسمى بالعاصمة الإدارية.
بعد وقت طويل وجدت على شمال الطريق مبنى فائق الجمال وهو “فندق الماسة كابيتال”، وهو من ضمن مجموعة من الفنادق المملوكة للقوات المسلحة، لكنه يختلف عن الطراز المعماري المألوف للفنادق التابعة للقوات المسلحة، فهو بالغ الفخامة والمساحة ومن أوائل المباني التي تم الانتهاء منها في زمنٍ قصير وافتتحه رئيس الجمهورية.
وعلى بعد أمتار منه تقبع الكاتدرائية الجديدة، كاتدرائية ميلاد المسيح، بمبنى لم يكتمل بناؤه الداخلي. ولا أعرف تحديدا كيف صلى البابا تواضروس الثاني وحضر إليه الرئيس والأعمال لم تنته بعد.
وعلى بعد خطوات يوجد أيضا مسجد الفتاح العليم، وأثناء الحوار تطرقت مع ضيفي إلى كيفية تمويل الكاتدرائية الجديدة والمسجد الكبير فقال إنه من تبرعات المواطنين، ولكن إذا كان المواطنون يتبرعون لبناء مسجد وكنيسة فهل يعلم المواطن المتبرع أن المسجد محاط بسور كبير وبوابة حديدية؟
وأثناء مناقشة الضيف في بعض المسائل الخاصة بالتمويل قال إن الشركة التي تدير المشروع هي من تتحمل تكلفة إنشاء المباني الإدارية الخاصة بالحكومة، وهنا قلت له وما العائد لكم؟ فقال إن من حقهم الحصول على المباني الحكومية القابعة في وسط قاهرة المعز، وأضاف أن المباني الأثرية ستُتْرك، أما غيرها فلنا حق التصرف فيها! ولكن من سيحدد أنها أثرية، فعلى سبيل المثال لا الحصر كان مبنى وزارة التربية والتعليم قصرا للأميرة فائقة ابنة الخديوي إسماعيل بـ”التبني”، فهل سيختفي التاريخ منالعاصمة القديمة؟ لا أدري ولكنني تخيلت أنني عندما أصبح في سنٍ أكبر سوف أحكي لأحفادي عن شكل القاهرة قديما لأنه من الواضح أنها ستختلف كثيرا.
صخورٌ جبليةٌ كبيرة، بل قل إن شئت جبال من الصخور يتم تفتيتها وإزالتها لتحل محلها العاصمة الجديدة.
ومن العاصمة الجديدة إلى عدد أقباط مصر وهو السؤال اللغز الذي ترفض الحكومة ممثلة في الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الإجابة عنه بشكل صريح وكأنه سرٌ حربي، فضيفي في الفقرة التالية هو مسؤول كبير في الجهاز وجاوب عن جميع الأسئلة الخاصة بالأرقام سواء البطالة أو من هم تحت خط الفقر وغيرها، ولكن عند إجابة هذا السؤال قال إنه لا يطلع على الأرقام.
وسمعت همهمات بجواري من مسؤولة الإعلام بالجهاز وأنها تريد أن تتدخل وتوقف الحوار وتلغي السؤال، ولكن تم احتواء الموقف ووافق الضيف على الإجابة عنه، وإنه لا يريد أن يغيرها.
بتوقيت مصر يأتيكم كل خميس في تمام الساعة السابعة وخمس دقائق بتوقيت غرينتش، التاسعة وخمس دقائق بتوقيت القاهرة مساء على شاشة بي بي سي عربي
المصدر : بي بي سي عربي