شريف الوكيل يقرأ لكم من عالم تينسي وليامز الذي كسر المألوف في مجتمعه المحافظ في أمريكا، ويجمع لكم أدق التفاصيل عن فيلم سمير سيف ونور الشريف
يعتبرالكاتب تينسي وليامز من النوع الذي يمعن في الغور في النفس الإنسانية والكشف عن الرغبات والإدمان والجنون والقلق النفسي برقي بديع، كما يعد واحدا من أهم وأشهر كتاب المسرح الواقعي بالولايات المتحدة الأمريكية، ويصنف علي أنه كاتب جنوبي حيث البيئة المحافظة والعنيفة أيضا والتى جعلت منه كاتبا غير مريح في بيئته الاجتماعية تلك.
ومن أهم أعماله المثيرة للجدل دائما مسرحية “قطة فوق سطح صفيح ساخن” وكان قد كتبها سنة ٨٥٩١ ورغم انها تعتبر أيقونتة بلا منازع والأكثر شهرة من مسرحيتة الأخرى”عربة اسمها الرغبة” إلا أن المفارقة هنا تكمن في ندرةعروض هذا العمل المسرحي علي مسارح بريطانيا منذ أن قدمت هناك سنة ١٩٥٨وحتي هذه اللحظة، لم تقدم إلا ثلاث مرات ولم تحظي أي من هذه المرات بنسبة المشاهدة التي تليق بقيمة هذا العمل،حيث لم يعرفها معظم الإنجليز إلا من خلال الفيلم الذى أخرجه للسينما “ريتشارد بروكس” ولعب بطولته كل من إليزابيث تايلور وبول نيومان، عام ٧٧٩١… مما جعل معظم النقاد يجتمعون على فكرة إعادة تقييم ذاك العمل، الذى كان مصدرًا لجدل لا ينتهي وسببا لخلافا مازال قائما حتي يومنا هذا…وعلى الرغم من كون الفيلم قد خضع للرقابة وإزالة مقاطع وإطالة أخرى، استنكر وليامز إزالتها ،لأنها تغوص في قلب المغزى من مسرحيتة، إلا أن الفيلم يعد متميزاً، بدءاً بالمقدّمة الجاذبة التي تظهر الشخصية المحورية الأساسية فيه…تدور الحكاية حول زوجين تعيسين، يعيشان حالة من الاختناق من فرط الترابط الأسري، وسط أسرة جنوبية تظهر السعادة وتبطّن أسراراً عديدة وكآبة أعمق ، حيثا تتأرجح بهما الحياة ليأخُذنا المخرج سمير سيف للعمل بنفس القصة الشيقة ولكن هذه المرة من خلال نسخة مصرية ، من بطولة وإنتاج نور الشريف، تشاركه بوسي في دور الزوجة، وسيناريو وحوار رفيق الصبان، وهاني مطاو
وعن ذكرياته مع الفيلم، قال المخرج سمير سيف «الفيلم من نوعية مختلفة عن توجهاتي، فأنا مصنف على أنني مخرج أفلام أكشن أو حركة، و«قطة على نار» يحتاج لمخرج وممثلين جيدين، وكان هذا الاختيار يؤكد ثقة المنتج في قدراتي كمخرج قادر على إخراج كل أنواع الأفلام وليس لوناً معيناً فقط».
يحكى الفيلم عن الأبن أمين (نور الشريف) والذي يعيش فى عزلة هو وزوجته جيجي (بوسي) في منزل عائلته ومع والده المقاول الكبير عبدالمجيد (فريد شوقي)، الذي يُصاب بمرض خطير فتبدأ النفوس الضعيفة، وشهوة المطامع في الظهور، حيث يتصارع الأبناء حول ميراث الأب وهو حي، وفي نفس الوقت يتسلل الشك إلى الجميع بوجود علاقة غير سوية بين الابن امين وصديقه عزت فتهجر الزوجة زوجها ويحاول الأب إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل وفاته.
من خلال سيناريو جيد جدا ومحكم ، يدور كله داخل يوم واحد يتخلله الفلاش باك بأحداث الفيلم لتوضيح العلاقات بين الشخصيات، والأسباب الحقيقة وراء ما وصل إليه حال الأسرة كلها. بالإضافة إلى الأداء المتميز لأبطال العمل بدًء من الدور الرئيسي لنور الشريف والعلاقة الخفية التي ظهرت بينه وبين صديقه، وعلاقته بزوجته جيجي التي كانت سببا قويا في انتحار عزت صديقه، مرورا بدور الفنان الكبير فريد شوقي فى دور الأب، القصة هنا تبدو غريبة بعض الشئ على المجتمع المصري والعربى بحد سواء خاصة تلك العلاقة الشاذة التي تنشأ بين رجلين “المثلية” ولكن كما إتفقنا على جرأة سمير سيف فى تناولها وتقديمها في أحد أفلامه يدل على أنه يبحث عن اتجاهات وأفكار جديدة، يحاول فتح أبوابها في السينما المصرية، والشيء الوحيد الذي يؤخذ عليه فقط هو تأثره الكبير بالسينما الأمريكية وتنفيذها بحذافيرها، كما يعتبر فيلم اليوم هو ثاني أعماله، حيث سبق له تقديم الرواية المعروفة (الكونت دي مونت كريستو) التى كتبها الكاتب الفرنسى “الكسندر ديماس” والتي قدمها كأول أفلامه الطويلة تحت اسم (دائرة الانتقام) من بطولة وإنتاج أيضا نور الشريف، محققا نجاحا ساحقا فقد إستطاع بحرفيته تقديم فيلم أكشن بسمات هوليوودية بمعنى الكلمة…وكرر سيف التعاون مع نور مرات أخرى في فيلم “غريب في بيتي” و”آخر الرجال المحترمين”…وتعتبر أفلامهما من الأعمال المتميزة للسينما المصرية .
تشكّل شخصية زوجة الإبن جيجى واحدة من ثلاث شخصيات تكوّن معاً العقدة السيكولوجية للفيلم، كما نجد شخصية أمين زوجها الحائر، المقلّ في الكلام، ونجم كرة القدم السابق، صاحب الإحساس بالفشل النابع من عجزه عن مواجهة تعقيدات حياته. أما شخصية رب العائلة الأب الكبير، المصاب بمرض من الأمراض المستعصية، فنجدها تخيم على أحداث الفيلم لفترة طويلة، فى إطلالة أبوية تضفي على افراد البيت نوعاً من الدفء والتعاطف.
إنه الصراع ما بين الحقيقة والخداع والضلال
يظهر فيلم “قطة على نار” زيف السعادة الظاهرة لدى البعض، التي ما هي إلا شقاء داخلي وعلاقات رخوة بين أفراد أسرة تقترب إلى حد الانهيار، خاصة عند محاولة إخفاء خبر مرض الأب الكبير ومن ثم الإعلان عنه. ليتزامن الانهيار النفسي وتدهور العلاقات بين كل افراد العائلة بحالة إنكار مستفحلة حتى النهاية. رغم أن الأحداث تجبرك على التعاطف مع شخصية الأب لدى اكتشافه مرضه، ومراقبة تغير حاله من سعادة يشوبها نشوة من الكبرياء إلى يأس وانهيار، يقابلها تفضيل دائم للابن المدلل المصاب بمرض عصابي وهذا سبب النزاعات، ليجسد ذلك مهزلة القيم الإنسانية التي تقف خلف الرغبات والكذب والجشع والخداع. فيما لا تصل الشخوص إلى الملاذ أو حالة الراحة النفسية إلا لدى الاقتراب للنهاية، حين تبرز الدوافع النفسية. يظهر اسم الفيلم مغزى تحول شخصية جيجى إلى قطة، وهي أقرب بمواصفاتها إليها كونها تتسم بحدة الذكاء المقرون بالبرود وعدم الاكتراث.
تتساءل جيجى “ما الفائدة التى عادت إليها وسط هذه النار” وهي التي تحورت بسبب الوحدة والضغط النفسي والكبت والتستر تدريجياً إلى شخص يحمل الصرامة والقسوة، بسبب ظروفها القاسية. تتألق شخصية جيجى “بوسى” منذ البداية، وإن كانت لم تتحدث كثيراً إذا ما قورنت بأدوار شخصيتي صديق زوجها أو الأب الكبير، إذ تم التركيز على حالة شوقها ورغبتها في لفت انتباه زوجها، وعدم استسلامها للوضع المزري لعلاقتهما. في ظل اللوم الدائم لأسرته لها لانتقاصها من سعادة زوجها أمين إنجابها كواجب أوحد لها، في الوقت الذي يناقض حالهما وضع اخو أمين وزوجته بإنجابهما المستمر. فيلم قطة على نار من الأفلام التي تحمل حوارات مؤثرة ومشاهد تعلق بالذاكرة فيصعب نسيانه.
يذكر أن رفيق الصبان كان قد اعترض فى بداية الأمر على ترشيح بوسي لبطولة الفيلم وللشخصية الصعبة لدور جيجي ولكن بعد أن راها بفيلم (سنة أولى ثانوي) وتعرف على امكانيتها وبراعتها في أدائها التمثيلي، قرر منح الدور لها بدون أي منافس،وقد تفوقت بوسى فى هذا.
ورفيق الصبان هو كاتب وناقد وسيناريست سوري وصل إلى مصر، وأقام فيها منذ بداية السبعينيات، واسمه الحقيقي محمد رفيق الصبان، وعمل لفترة أستاذاً لمادة السيناريو في معهد السينما، وكتب أكثر من أربعين فيلمًا سينمائيًا ومسلسلٱ، وحصل على وسام الفنون والآداب الفرنسي بدرجة فارس، وكانت بداياته السينمائية هي فيلم «زائر الفجر»، الذي أثار ضجة كبيرة عند طرحه في دور العرض المصرية في عام ١٩٧٣مما اضطر الحكومة حينها إلى منع عرضه، ثم توالت أعماله المثيرة للجدل داخل المجتمع منها «قطة على نار»، و«ليلة ساخنة»، و«الباحثات عن الحرية».
كما كان لظهور الفنانة شريهان بالفيلم وكان ثاني عمل لها تشارك فيه وكان وقتها عمرها ثمانية عشر عاما وقد مثل هذا العمل نقطة تحول في حياتها كممثلة وانطلقت من خلاله .
الفيلم من الأفلام المصرية الشيقة والمليئة بالأحداث المختلفة، والتعبيرات التمثيلية الجيدة
وأعربت الناقدة ماجدة خيرالله عن حبها لهذا الفيلم ، وكشفت عن إنه أكثر أعمال المخرج سمير سيف قربا لها ،فقالت:”قطة علي نار، كان من اروع المعالجات الدراميه لمسرحية تينسي ويليامز قطه فوق سطح صفيح ساخن، حبيت قوي الفيلم الذي لعب بطولته نور الشريف،وفريد شوقي، وبوسي وكتب له السيناريو د. رفيق الصبان و اخرجه د. سمير سيف ،بينما شعرت ببرودة شديدة مع الفيلم الذي لعبت بطولته اليزابيث تايلور ، وبول نيومان…وهنا يمكننا التوقف طويلا…هل حقا “اليزابيث تايلور” الملقبة فى الوسط الفنى (بالقطة) فعلا ،أن تكون قدمت دورها ليس فى براعة بوسى..؟ الأمر متروك لكم…وربما هذا يحتاج مشاهدة العملين .
هذا وقد احتشد فيلمنا بأسماء ابطال كبار : نور الشريف وبوسي وفريد شوقي ومريم فخر الدين وليلى طاهر وإبراهيم خان، وحصل الفيلم على أربعة جوائز من مهرجان القاهرة للسينما .
الموسيقى التصويرية : عمر خورشيد
الإخراج : سمير سيف