في مستجدات مثيرة، تم الكشف عن وثيقة سرية صادرة عن وزارة الاستخبارات الإسرائيلية تكشف عن خطة مثيرة لتهجير سكان قطاع غزة وتوطينهم في منطقة سيناء. الوثيقة، التي تم نشرها أولاً على موقع “ميكوميت” الإسرائيلي وتم تأكيدها من قبل موقع “ويكيليكس” المتخصص في نشر الوثائق السرية، توثق تفاصيل الخطة وتكشف عن توقيتها.
وفيما يتعلق بالوثيقة، تؤكد أنه تم التحقق من صدورها من وزارة المخابرات الإسرائيلية في 13 أكتوبر 2023، وتصف الخطة بأنها “تهجير نهائي” لسكان غزة، وذلك تحت ذريعة الاستقرار الإستراتيجي. وتتضمن الخطة توطين المواطنين في منطقة سيناء دون السماح بعودتهم، وتزعم الوثيقة أن هذا التهجير “سيكون له نتائج إيجابية على المدى الطويل”، وتشير إلى أنها ستخدم مصالح السلطات الإسرائيلية.
الخطة تتكون من ثلاث مراحل رئيسية تبدأ بتهجير سكان شمال قطاع غزة نحو جنوبه، مع إقامة ممر إنساني عبر معبر رفح يسمح لهم بمغادرة غزة إلى سيناء، ثم تتضمن الخطة إنشاء مدن خيام في سيناء لاستيطان الفلسطينيين في هذه المنطقة، تليها مرحلة أخرى تشمل بناء مدن في شمال شبه الجزيرة، دون السماح بعودتهم إلى قطاع غزة، وفيما يتعلق بوزن الوثيقة، أوضح كاتب تقرير “ميكوميت” أن وزارة الاستخبارات هي كيان استخباراتي مستقل، وتقوم بإصدار دراسات ووثائق سياسية منفصلة، وتُقدم هذه الوثائق لمراجعة الجهات الحكومية والأمنية، على الرغم من عدم تلزيمها بالتنفيذ.
وقد أثار توقيت ظهور هذه الوثيقة اهتمامًا بالغًا، حيث تطابق تصريح متحدث مجلس الأمن القومي الأمريكي “جون كيربي” في 30 أكتوبر 2023، والذي أشار فيه إلى أن “التركيز الآن ينصب على تأمين ممر آمن للفلسطينيين”. وأوضح أنه بعد تأمين الممر سيتم مناقشة التفاصيل مع شركاء في المنطقة مثل مصر لتحديد كيفية توفير مأوى مؤقت للعائلات التي ترغب في مغادرة غزة.
على الجانب الدبلوماسي، طرح سفير فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة “رياض منصور” الأمر خلال كلمته أمام الجمعية العامة في 30 أكتوبر 2023، مؤكدًا وجود وثيقة مسربة تؤكد خطة إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين إلى مدن خيام في سيناء. وقال إن هذا الأمر يعكس مساعي إسرائيل لفرض تغيير جذري على وضع غزة.
وبالإضافة إلى ذلك، قد نشرت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية تقريرًا في 31 أكتوبر 2023 يؤكد أن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قلل من أهمية تقرير وزارة الاستخبارات، وأشار إليه بأنه مجرد “ورقة مفاهيمية”. وعلى الرغم من هذا التقليل، قامت الوكالة بحذف التقرير لاحقًا.
الوثيقة واستنتاجاتها أثارت مخاوف مصرية طويلة الأمد من نية إسرائيل في تحويل قضية غزة إلى مشكلة مصرية. كما أنها أعادت للفلسطينيين ذكريات النكبة الكبرى عام 1948 حين تم تهجير مئات الآلاف منهم من أراضيهم وأجبروا على ترك منازلهم.
جدي بالذكر أن هذه الوثيقة هي ثالث وثيقة تُسرب فيها خطط صهيونية لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء. سُبِقتها وثيقة عن معهد “ميشجاف” لشؤون الأمن القومي والإستراتيجية الإسرائيلي وتناولت تفاصيل خطة التهجير بالكامل في 17 أكتوبر 2023، ونشرت صحيفة “كلكاليست” الإسرائيلية في 24 أكتوبر 2023 خطة لتهجير أهالي غزة إلى سيناء.
تفاصيل الوثيقة التي كشفت نوايا إسرائيل الحقيقية
الوثيقة المسربة التي نشرتها مجلة الثقافة الإسرائيلية “ميكوميت” في 28 أكتوبر 2023 توصي فيها الاستخبارات الإسرائيلية بترحيل سكان قطاع غزة إلى سيناء بشكل دائم، وتطالب حكومة تل أبيب في الوثيقة المكونة من 10 صفحات، بالعمل على إنشاء مدن من خيام في سيناء، تستوعب السكان الفلسطينيين المطرودين، إضافةً إلى إنشاء منطقة بمساحة عدة كيلو مترات داخل مصر، مع عدم السماح للسكان بالعودة أو الإقامة بالقرب من الحدود.
وفقًا لما نشرته “ميكوميت”، فإن الخطة متعددة المراحل، ستكون مرحلتها “الأولى” اتخاذ إجراءات من أجل “إخلاء سكان غزة جنوبًا”، عن طريق تركيز ضربات سلاح الجو الإسرائيلي على الجزء الشمالي من القطاع، ودعوة الاحتلال أهالي غزة لمغادرتها للجنوب.
“الثانية” تتحدث عن توغل بري في غزة، يؤدي إلى احتلال القطاع بأكمله، من الشمال إلى الجنوب، وتقترح الوثيقة تشديد الحملة العسكرية على غزة، لدفع الفلسطينيين إلى الموافقة على الخطة والتخلي عن أرضهم بالقوة، وتتحدث عن مغادرة مواطني غزة إلى الأراضي المصرية، ومنعهم نهائيًا من العودة، ومن أجل ذلك ترك الممرات باتجاه جنوب غزة صالحة للاستخدام وعدم قصفها، للسماح بإخلاء السكان المدنيين باتجاه رفح المصرية.
المرحلة الثالثة: تدعو الوثيقة المسربة إلى تنفيذ خطة ترويجية في العالم الغربي، تشارك فيها الولايات المتحدة ودول أوروبية، لممارسة ضغط على مصر، كي تقبل باستيعاب سكان غزة، وأيضا دعوة الدول الغربية الأخرى، وخاصة اليونان وإسبانيا وكندا، لإعادة توطين بعض اللاجئين الفلسطينيين في أراضيها.
وتقول الوثيقة إن الولايات المتحدة يمكن أن تساهم من خلال ممارسة “الضغط على مصر وتركيا وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في خطة التهجير سواء بالموارد المالية أو بقبول النازحين”.
وتتضمن هذه المرحلة إطلاق حملة علاقات عامة صهيونية للترويج لبرنامج التهجير للفلسطينيين في العالم الغربي بصفته “ضرورة إنسانية” تؤدي ظاهريًا إلى “عدد أقل من الضحايا بين السكان المدنيين”.
والغريب أن الوثيقة الصهيونية تزعم أن على مصر “الالتزام بموجب القانون الدولي بالسماح بمرور سكان غزة عبر معبر رفح”، بينما لا تتحدث عن جرائمها في قتل وتهجير الفلسطينيين التي يمنعها ذات القانون، وتقدم الوثيقة بديلين آخرين فيما يتعلق بمواطني غزة في اليوم التالي للحرب: الأول هو جلب السلطة الفلسطينية في رام الله لحكم القطاع، والثاني هو تشكيل حكومة محلية أخرى كبديل لحركة حماس التي تحكم قطاع غزة منذ عام 2007.
لكنها تزعم أن كلا البديلين غير مرغوب فيهما من الناحية الإستراتيجية والأمنية بالنسبة لإسرائيل، ولن يوفرا رسالة ردع كافية، وخاصة لحزب الله في لبنان، لذا لا مفر من التهجير الكامل، ويقول واضعو الدراسة إن إدخال السلطة الفلسطينية إلى غزة هو “البديل الأخطر” من بين البدائل الثلاثة لأنه قد “يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية”، طالما ستحكم الضفة وغزة معا.
ولا تحبذ وثيقة المخابرات الاسرائيلية المتخبطة مع هذا أن تحكم إسرائيل قطاع غزة بدعوى أنها “ستُعد قوة استعمارية مع جيش محتل على غرار الوضع في الضفة الغربية اليوم، ولكن أسوأ”، لذا تحبذ تشكيل قيادة فلسطينية محلية تحل محل حماس، رغم أنه لا توجد حركات معارضة محلية لهذه الحركة في غزة، وقد تكون القيادة الجديدة أكثر “تطرفا” ضد إسرائيل، وفق وصفها.
وتقول الوثيقة عن هذا البديل: “إن السيناريو المحتمل ليس تغيير التوجه الأيديولوجي، بل إنشاء حركات إسلامية جديدة، وربما أكثر تطرفاً”، ولذلك، توصي وزارة المخابرات الإسرائيلية بالمضي قدماً في عملية النقل الدائم لجميع سكان غزة إلى سيناء بشكل نهائي.
ولا تكتفي الوثيقة بتهجير أهالي غزة لسيناء وبناء مدن دائمة لهم هناك، ولكنها تشترط إنشاء “منطقة معقمة” بطول عدة كيلومترات داخل مصر، أي منطقة خالية من السكان وممنوع الحركة فيها، ومنع سكان غزة (في سيناء) من الاقتراب من حدود القطاع.
وتقول وثيقة التهجير الإسرائيلية إنه بالنسبة للعالم العربي، يمكن للولايات المتحدة أن تساهم في العملية من خلال ممارسة الضغط على مصر وتركيا وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات، للمساهمة في المبادرة أو بالموارد أو استيعاب النازحين.
وتزعم أن فرضية “الهجرة الجماعية” للسكان من مناطق القتال هي “نتيجة طبيعية وواضحة” حدثت أيضًا في سوريا وأفغانستان وأوكرانيا، وأن طرد السكان فقط سيشكل “ردًا مناسبًا سيمكّن من خلق ردع كبير في المنطقة بأسرها”.
الوثيقة، التي يعود تاريخها إلى 13 أكتوبر، أي بعد خمسة أيام من هجمات “طوفان الأقصى”، “لا تشير بالضرورة إلى أن الحكومة تدرس توصياتها”، كما توضح صحيفة “الأهرام” الإنجليزية 29 أكتوبر 2023.
وقالت مجلة “972+” في 30 أكتوبر 2023 إن وجود الوثيقة لا يعني بالضرورة أن توصياتها قيد النظر من قبل مؤسسة الدفاع الإسرائيلية، وأنه على الرغم من اسمها، فإن وزارة الاستخبارات ليست مسؤولة بشكل مباشر عن أي جهاز استخباراتي، بل تعمل بشكل مستقل على إعداد الدراسات وأوراق السياسات التي يجري توزيعها على الحكومة الإسرائيلية والأجهزة الأمنية لمراجعتها، ولكنها ليست ملزمة لها.
أوضحت المجلة أن ميزانية الوزارة السنوية تبلغ 25 مليون شيكل، ويعد تأثيرها ضئيلا نسبيا، وترأسها حاليا جيلا جمليئيل، عضو حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ونقل موقع 972+ عن مصدر إسرائيلي في وزارة الاستخبارات أن “الوثيقة صحيحة، وجرى توزيعها على المؤسسات الأمنية بواسطة قسم السياسات في الوزارة، ولم يكن من المفترض أن تصل إلى وسائل الإعلام”.
الإتحاد الأوروبي يؤكد صعوبة التهجير لرفض مصر القاطع وأمريكا رصت له التمويل
في 15 أكتوبر 2023 نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن المسؤولين المصريين ناقشوا بالفعل مقترح توطين 100 ألف فلسطيني من سكان غزة في سيناء، وجاري نصب خيام لهم في مدينتي رفح والشيخ زويد، وأكدت الصحيفة أن دولا خليجية (الإمارات تحديدا) ستمول العملية وتقدم دعمًا ماليًا لمصر مقابل قبولها اللاجئين الفلسطينيين لفترة مؤقتة.
قبلها أكد موقع “مدى مصر” في 14 أكتوبر 2023 نقلا عن 6 مصادر رسمية مصرية “وجود ضغوط تتعرض لها مصر لقبول تهجير الفلسطينيين في سيناء بمقابل مادي من دول خليجية”، ثم سحب الموقع التقرير وألغاه بعد إحالة السلطات المصرية صحفييه للتحقيق، في النيابة العامة، لكن لم يجر ذكر تفاصيل الخطة في وول ستريت جورنال أو مدى مصر، ونشرتها لاحقا مواقع إسرائيلية.
وقالت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية 30 أكتوبر 2023، نقلا عن مصادر، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، “يسعى إلى إقناع القادة الأوروبيين بالضغط على مصر، لقبول اللاجئين من قطاع غزة”.
ونقلت الصحيفة عن مصادر “مطلعة على المناقشات” أن “مقترح نتنياهو جرى تقديمه من خلال عدة دول، من بينها التشيك والنمسا، في مناقشات خاصة خلال قمة زعماء الاتحاد الأوروبي يومي 26 و27 أكتوبر 2023.
وأضافت الصحيفة أن الدول الأوروبية الرئيسة، لا سيما فرنسا وألمانيا، بالإضافة إلى المملكة المتحدة، رفضت هذا الاقتراح ووصفته بأنه “غير واقعي”، مشيرة إلى “رفض المسؤولين المصريين لفكرة قبول اللاجئين من غزة، حتى على أساس مؤقت”.
وأعربت القاهرة بشكل واضح عن مخاوفها من أن “تسعى إسرائيل إلى استخدام الأزمة لفرض مشاكلها مع الفلسطينيين على مصر”،وقال الرئيس السيسي، إن بلاده ترفض “أي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية بالوسائل العسكرية، أو عبر تهجير الفلسطينيين قسراً من أراضيهم”، وجرت مناقشة الدور المحتمل لمصر في قمة الاتحاد الأوروبي، حسبما قال أشخاص مطلعون على مناقشات القادة.
لكن الزعماء “اتفقوا في نهاية المطاف على أن مصر يجب أن تلعب دورا مهما في تقديم مساعدات إنسانية واسعة النطاق لغزة، لكن دون الضغط عليها لقبول لاجئين”.وقال دبلوماسي غربي لـ “فايننشال تايمز”: “شدد نتنياهو على أن الحل يمكن في أن يأخذ المصريون سكان غزة على الأقل خلال الصراع، لكننا لم نأخذ الأمر على محمل الجد، لأن موقف القاهرة كان ولا يزال واضحا للغاية برفض ذلك”.
وقال دبلوماسي غربي ثان: “الضغط الناجم عن الهجوم الإسرائيلي المستمر على غزة، قد يؤدي إلى تغيير في الموقف المصري”، في إشارة إلى احتمالية موافقتها على استقبال لاجئين، وتابع: “هذه هي الطريقة الوحيدة، والآن حان الوقت لممارسة ضغوط متزايدة على المصريين للموافقة”، على طلب نتنياهو.
وفي 20 أكتوبر 2023 قدم الرئيس الأميركي جو بايدن طلبا للكونغرس لاعتماد ميزانية تبين أنها تغطي تكاليف تهجير أهل غزة إلى ما أسماه “بلدان مجاورة”، في إشارة لا تحتمل الجدال أنه يقصد بها مصر، في المقام الأول، الطلب الذي قدمه مكتب بايدن إلى مجلس النواب ونشر على “موقع البيت الأبيض”، تضمن طلب الموافقة على “اعتمادات مالية إضافية” بقيمة 106 مليار دولار لأغراض حماية الأمن القومي الأميركي ومساعدة الحليفتين أوكرانيا وإسرائيل.
في الصفحة رقم 40 من الطلب، يقترح بايدن اعتماد مبلغ 3 مليار و495 مليون دولار لبرامج وزارة الخارجية الأميركية “للمساعدة في مجالات الهجرة واللجوء”، ويشير في الفقرة الثالثة إلى “الأوضاع الإنسانية في إسرائيل والأراضي الفلسطينية”، ما يوضح أن خطط تهجير أهالي غزة ما تزال موجودة بقوة لدى الجانب الأمريكي.
وجاء في نص الطلب المنشور أن هذه الأموال: “لدعم المدنيين المهجرين والمتضررين من الصراع الحالي ومن ضمنهم اللاجئون الفلسطينيون في غزة والتعامل مع الاحتياجات المحتملة لأهل غزة الذين سيفرون إلى بلدان مجاورة”.