البيزنس الحرام ينتشر في مصر.. والأنساب تختلط مقابل المال
سمسار يكشف تفاصيل العالم السري لتأجير الأرحام
سيدة: “أؤجر الرحم لضيق حالتي المادية وسيدات يبحثن عن الأمومة بأسرع الطرق”
مهران: تأجير الارحام هو خلط للأنساب وحرام شرعا
نقابة الأطباء: لايوجد في القانون مايجرم إجراء تلك العمليات
دقات الساعة المعلقة إلى الحائط الوردي تعلنها السادسة مساء، لحظات مرتقبة لرجل وسيدة في العقد الثالث من عمرهما، يجلسان في أماكن الجلوس المحددة أمام غرفة العمليات في إحدى المستشفيات الخاصة، دقائق قليلة تلت دقات الساعة مرت، ليخرج الطبيب بعدها من غرفة العمليات مبتسمًا في مشهد تكرر مرارًا في أفلامنا المصرية، لكن الغريب هذه المرة أتى من فم الطبيب نفسه: “مبارك لكما طفلكما، فتاة جميلة”، فرح الزوجان بشدة وتطايرت الدموع من عيني الزوجة قائلة: “أريد رؤية صغيرتي”.
لاتتعجب، نعم إنها الزوجة التى تنتظر مولودها بأن تضعه إمرأة غيرها .
منذ أيام، نشرت المجلة الأمريكية “بيلبورد”، أن النجمة الأمريكية كيم كارداشيان وزوجها “كاني ويست” رزقا بطفلتهما الثالثة عبر رحم بديل مُستأجر، وكتبت “كارداشيان” على موقعها الالكتروني: “سعيدان بوصول طفلتنا الجميلة بصحة جيدة، نحن مدينان للغاية لوكيلتنا صاحبة الرحم البديل التي جعلت أحلامنا حقيقة وقدمت أغلى هدية يمكن أن يقدمها أحد”، لم تكن المرة الأولى للمرأة صاحبة الرحم المستأجر والتي يطلق الغرب على مثيلاتها لقب “الأم البديلة”، وحصلت على 45 ألف دولار أمريكي مقابل خدمة آل كارداشيان.
ربما يكون من المعتاد قراءة مثل هذا الخبر في الصحافة الأجنبية، لكن أن تقرأه في أحد التعليقات على مواقع السوشيال ميديا أو في إعلانات داخلية لجروبات نسائية أو غيرها وفي مصر، فهو الأمر الغريب، فمن الغريب أن تلجأ امرأة لتأجير جزء من جسدها لامرأة أخرى بما يخالف الشريعة الإسلامية وهي مصدر التشريع في الدولة المصرية، ما يعتبر بمثابة خلط في الأنساب.
تعرف موسوعة ويكيبديا تأجير الأرحام بالحمل البديل وهو عبارة عن حل طبي يتم اللجوء إليه لمساعدة النساء غير القادرات على الحمل والإنجاب بسبب مشاكل صحية، حيث تتم عملية الإخصاب خارج الجسم بتلقيح بويضة المرأة بماء زوجها في المختبر قبل أن تتم زراعة واحدة أو أكثر من تلك البويضات المخصبة في رحم امرأة متطوعة لتنمو وتستكمل فترة الحمل، وفي هذه الحالة يطلق على المرأة صاحبة الرحم اسم الأم البديلة بينما تكون صاحبة البويضة هي الأم البيولوجية، وعندما تلد الأم البديلة الطفل تسلمه للزوجين مقابل مبلغ متفق عليه وقد يصل المبلغ أحيانا إلى ثلاث مئة ألف دولار في أوروبا و أمريكا.
البلاغ تواصلت مع عدد من السماسرة والعاملين في بيزنس تأجير الأرحام عبر صفحات التواصل الاجتماعي الإلكترونية، لنتعرف على التفاصيل، تحدثنا معهم على أن لدينا حالة تعاني من ورم في الرحم ونريد أن نؤجر رحم آخر يتم فيه التلقيح وهنا رصدنا مفاجآت…
سمسار لكل الحالات المستعصية
تواصلنا مع أحد السماسرة الوسطاء الذي يعمل مع سيدات على استعداد لتأجير أرحامهن واكتشفنا خلال الحديث معه استعداده لعمل الكثير من أجل المال ووجوده كمحور لشبكة تفعل كل ما حرمته الأديان، هذا السمسار أعطى لنفسه اسم مستعار وهو “إيهاب” يقول إنه في حال عدم قدرة الحالة على الإنجاب يكون أمامها الحل الأمثل وهو تأجير رحم امرأة أخرى واجراء عملية تلقيح به فكل الحلول متاحة وهو ما يرسخ فكرة كانت موجودة منذ فترة بالمجتمع المصري ما تسمى بـ” الأم السنجل” ، ولنا أيضا أصدقاء أطباء لا يمانعوا من إجراء تلك العمليات.
العالم السري الذي تكشف لنا بعد حديثنا القصير مع السمسار يتم من خلال سيدة متزوجة بالفعل ولديها أولاد ويكون تكلفته أعلى، نظرًا لتحمل الطرف المستفيد مصاريف أشهر الحمل تصل إلى 80 ألف جنيه، إلى جانب مصاريف العمليات والأطباء والأدوية.
كل شيئ مباح
تواصلنا مع سيدة تعلن عن رحم للإيجار تحت اسم مستعار”أم حمزة” من الإسكندرية ولها أبناء تقول أن الظروف جعلتها تلجأ لتأجير رحمها لحاجتها للمال واقترح عليها البعض بأن تقوم بذلك وبالتالي لا مانع من خوض التجربة بعد إجراء التحاليل اللازمة.
يرى الممانعون له أن فيه خطرا على الولد وأنه يفتح الباب للاتجار بالأطفال وسرقتهم وانتهاز النساء خاصة الفقيرات والمعدمات وهذا ما لوحظ في الهند ودول أوروبا الشرقية وجنوب شرق آسيا، غير أن المجيزين يتعاطفون فيه مع العاقر وحقها في الحصول على أطفال وحق المرأة في التصرف بجسدها مثلما شاءت.
تقول «سمية . ج» التى تبلغ من العمر 35 عاماً، إن زوجها منذ 3 سنوات سافر إلى إحدى الدول، حيث انقطعت أخباره تماما، تاركا لها ولدان وهى تقيم بشقة إيجار فى منطقة شبرا الخيمة، مشيرة إلى أن دخلها الشهرى الذى تتقاضاه من محل ملابس تعمل به، لا يكفى مصاريف أولادها أو مدارسهم، حتى اقترحت عليها أحدى صديقاتها المترددين على مكان عملها بتأجير رحمها للنساء اللاتى لديهن مشاكل صحية أو التى تخشى على شكلها من تأثير الحمل وبالفعل تواصلت مع بعض السيدات والتى أبدين استعدادهن لذلك مقابل مبالغ كبيرة لأنهن يعملن بمناصب قيادية ولا يستطيعوا إفساد عملهم بأجازة الوضع أو تعب الحمل وبالتالي وجدوا من الأم البديلة وسيلة مهمة وسريعة لتحقيق هدف الأمومة دون عناء .
تواصلنا مع أحدى السيدات بشكل ودي للاستفسار عن تفاصيل تأجير الرحم الخاص بها وكم تتقاضى مقابل حمل جنين ليس بابنها لمدة 9 أشهر وعند الحديث معها بإجراء بحث اجتماعي عن المخاطر الطبية تغيرت طريقة حديثها معنا وأغلقت الهاتف مما يؤكد على أنّ ظاهرة تأجير الرحم موجودة في مصر، لكنها تجري في الخفاء، بعيداً عن الانظار لأسباب قانونيّة وشرعيّة، إنّما أيضاً بحكم التقاليد، فالمرأة الباحثة عن رحم للايجار، ما زالت تتحكم فيها التقاليد الاجتماعية قد يراها المجتمع عيب وعجز من الزوجين عن الانجاب ويشوبهما النقص، أما في الغرب فتشيع عمليات تأجير الأرحام ولكنها تخضع لشروط وضوابط قانونية وأخلاقية.
تقول الدكتورة ” هـ . م” طبيبة النساء والتوليد، أنه بالطبع تأجير الرحم يجري عادة في الخفاء، فالثنائي الذي فشل في إنجاب طفل، “يشعر بالخزي خصوصاً في مجتمعات شرقية ما زالت تنظر إلى النسل كدليل على الرجولة، لذلك تلجأ المرأة التي لا تستطيع حمل الجنين، بالاستعانة بأختها، او احدى قريباتها لحمل طفل الأنبوب، كما أنّ الاستعانة بالام المستعارة يتطلب امرأة قوية وشجاعة، لكن عندما تقرر المرأة الخوض في تجربة مماثلة، لا بد من أن تصادف عقبات وقيوداً كثيرة يتداخل فيها الدين، والقانون والاخلاق بخاصة في مصر.
وتعتبر الطبيبة ان المرأة التي تؤجر رحمها “كمن يستخدم جسده لمكاسب مادية”، لكنّها تضيف: “ينبغي اعتماد تأجير الرحم، لكن ضمن قيود أهمها أن يأتي في المقام الاخير أي حين يعجز الطب كلياً عن ايجاد حل”
ليست هذه المسألة بسهلة. انها تمتد لتطول جوانب الحياة كلها مثل: مَن هي الام؟ الشرع يجيب: الأم البيولوجية، ما العمل اذا عادت الام المستعارة بعد عشر سنوات للمطالبة بطفلها؟
مفاجأة.. القانون لاينص على منع تأجير الأرحام
الأمر أصبح معتادا في حديث الحالات التي استطعنا التوصل لها وهو ما جعلنا نجري اتصالا بالدكتور أحمد شوشة عضو مجلس نقابة الأطباء، والذي أكد أن القانون لا يمنع عمليات تأجير الأرحام ولم يُثار بنقابة الأطباء من الناحية الفقهية أو القانونية وهو أمر حتما مرفوض بديهيا.
وأضاف شوشة، هذا الأمر حرام شرعا لأنه يعتبر تداخل في الأنساب وهو عمل غير مشروع ويعتبر تجارة في الأعضاء البشرية، فالرحم ليس ملكا لصاحبته وإنما هو وديعة من الله ولا يجوز لها التأجير، أما قانون النقابة فيخلو من هذا الموضوع تماما ولا يشير له ولكن يجب أن يصدر قانون خاص في مجلس النواب ويدعى إلى الجلسة متخصصون في الطب والقانون والفقه وعلماء في علم الأجنة والأحياء ويصدروا قانون من 10 مواد، فأنا أدعو من خلال “البلاغ” كل الأطراف أن يسارعوا من خلال هذه الدورة البرلمانية في إصدار قانون خاص بتلك القضية في خلال 3 جلسات.
ومن الناحية القانونية قال الدكتور أحمد مهران أستاذ القانون العام ومدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية ومدير المركز المصري لقضايا الأسرة والمجتمع، أن المادة الثانية من الدستور تنص على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع وبالتالي أي تشريع في مصر من ضمن شروطه أن يكون مطابقا للشريعة الإسلامية وبما أن هذا الفعل “تأجير الأرحام” مخالف للشريعة فإنه لم نضع له نص في القانون يجرمه لأنه حرام إلهيا ففي مصر لا يوجد نص قانوني بتجريم معاشرة الأخ لأخته لأنه حرام شرعا وله نص سماوي.
ويقول مهران، إذا ثبت فعل ذلك يوجه للطبيب تهمة جرح وإجراء عملية دون مبرر قانوني ويحال للجنة التأديب بالنقابة أما بالنسبة للمواطن فهو يعتبر شريك في الجريمة المخالفة للشرع، وبالتالي إذا كان هناك نص سماوي ينص على منع تلك العمليات فمن ثم لا نحتاج لنص قانوني .
ومن خلال استطلاع الموقع الرسمي لدار الافتاء المصرية وجدنا الإجابة ” لا يجوز شرعًا أن تستنبت المرأة في رحمها بويضةً من امرأةٍ أخرى مخصبة؛ سواء كانت مخصبةً من زوجها أو من غيره، وسواء كانت صاحبة البويضة امرأة أجنبية أو قريبة أو ضرة تشترك معها في الزوج نفسه، وقد أجمع الفقهاء المعاصرون أثناء بحث هذه المسألة على حرمتها؛ لأن هناك طرفًا ثالثًا غير الزوج صاحب النطفة والزوجة صاحبة البويضة، ولا يمكن الجزم مع وجود الطرف الثالث بتحديد الأم الحقيقية لهذا الطفل: فهل الأحق به صاحبة البويضة التي تخلق منها الطفل وحمل كل خصائصها الوراثية؟ أو الأحق به الأم الحاضنة صاحبة الرحم الذي تم فيه نموه وتطوره وتبدله حتى صار جنينًا متكاملًا؟ فكان هذا الفعل حرامًا، والقول بالتحريم هو ما عليه قرار مجمع البحوث الإسلامية بمصر وقرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة” .
كيف بدأت الفكرة في العالم؟
إذا كان لديك حظٌ وفير في إنجاب أطفال، فيجب أن تشارك خصوبتك مع من حُرِمُوا منها»
هكذا بدأت السيدة (كيم كوتون) حديثها مع صحيفة الإندبندنت البريطانية عن قضية تأجير الأرحام، فهي أول امرأة تُقدم على تأجير رحمها بالمملكة المتحدة مقابل مبلغٍ من المال، وذلك عام 1984م، وقد لاقت الفكرة رفضًا في البداية ثم بدأت في الانتشار مع بداية تسعينيات القرن الماضي حتى امتدت للعديد من الدول، وأصبحت من أهم تقنيات الحمل المساعد فيما يعرف علميًا ب(تقنيات التلقيح المساعدة) .
دول تبيح تأجير الأرحام بمقابل مادي
حيث يتم إبرام عقد إتفاق بين الأبوين البيولوجيين والأم البديلة ويتضمن العقد حق الانتفاع برحم الأم البديلة طوال فترة الحمل على أن تتنازل عن الطفل فور ولادته مقابل مبلغ من المال ليصبح منتسبًا بشكل رسمي لأبويه البيولوجيين ويسمى هذا النوع (تأجير الأرحام التجاري) مما يدفع البعض إلى تأجير أرحامهن كمهنة لاكتساب العيش عند بعض النساء.
من بين هذه الدول: (الهند وإسرائيل وبعض الولايات الأمريكية).
دول تبيح التبرع بالرحم فترة دون مقابل
وفي تلك الدول تستطيع المرأة التبرع برحمها لصديقتها أو ابنتها أو شقيقتها طوال فترة الحمل لكن دون مقابل مادي ودون عقود مبرمة.
ومن بين هذه الدول: (بلجيكا واليونان وأستراليا والمملكة البريطانية).