حلم مازال يدق أبواب الشباب، يظنون أنه سبيل للهرب من الضغوط الاجتماعية والسياسية فى دولهم، يهربون من الواقع المرير ولا يتخيلون أنهم يهربون لواقع أمر، إنه حلم “الهجرة”، صحيح أن الهجرة حق مشروع لمن فشل وأراد البدء من جديد فى مجتمع آخر، إلا أننا يجب أن نتوقف قليلا ونفكر إذا كانت هذه الهجرة لدولة استعمارية، قامت على أنقاض دولة أخرى، نفكر قليلا ونحاول معرفة الأسباب إن كانت الهجرة إلى “إسرائيل”.
فى الأعوام الأخيرة ازدادت الأخبار عن الهجرة الشرعية وغير الشرعية من دول إفريقيا، حيث يهاجر الأفارقة من دولهم إلى أوروبا عن طريق ليبيا أو مصر، ولكن الملاحظ أن الأفارقة القادمون من إثيوبيا هم الأغلبية، خاصة بعدما أقامت دولة الاحتلال الإسرائيلي، مركزا مجتمعيا في مدينة غوندار في إثيوبيا، وأشرفت عليه الوكالة اليهودية، يقوم بنقل الإثيوبيين إلى إسرائيل، ومنذ العام 2010 نقلت إسرائيل 6300 من يهود “الفلاشا مورا” في إطار عملية أطلق عليها “جناح الحمامة “ومن الجدير بالذكر أن عمليات النقل تلك قد استمرت لمدة عشرين عاما وانتهت في عام 2013م.
فما بين عامى 1979م و1990، نظمت إسرائيل عدة نقلات لليهود الإثيوبيين إلى إسرائيل عن طريق السودان. وفي الطريق من إثيوبيا إلى المخيمات السودانية توفى الألاف وهم فى رحلتهم تجاه إسرائيل، وحينما وصلوا إلى أرض الميعاد لم يجدوا الراحة قط، بل تمت ممارسة أبشع صور العنصرية ضدهم، ولم يستطيعوا الاندماج فى المجتمع الجديد، كما رفضت إسرائيل استقدام باقى أسرهم من اليهود الإثيوبيين المخالفين فى المذهب.
وخلال هذه الرحلات السرية التى نظمتها إسرائيل تم نقل حوالى 130 ألف يهودى إثيوبى من يهود الفلاشا، دخلوا إلى المجتمع الإسرائيلى وأطلقوا على أنفسهم اسم “بيتا إسرائيل”، وهم لا يتمتعون بنفس حقوق التعليم والوظائف، وكانت أبرز حادثتين عنصريتين أثاروا غضب اليهود الإثيوبيين: الاعتداء على جندي من أصل إثيوبي، وقيام أحد المراكز الطبية الإسرائيلية برمي دم تبرعت به نائبة من أصل إثيوبي في الكنيست في القمامة.
ويعانى يهود الفلاشا من الفقر فقد بلغت نسبة البطالة بينهم فى إحدى السنوات إلى 80%، وفي عام 2005، بلغ معدل البطالة بينهم حوالي 65 في المائة، فيما ظلت نسبة كبيرة منهم تعيش في مناطق معزولة عن باقي اليهود الأشكناز والسفارديم، وأظهرت دراسة في العام 2012 أن معدل دخل اليهودي من أصل إثيوبي أقل بنسبة 30-40 في المائة من دخل فلسطينيي 1948، الذين هم بدورهم يعانون من العنصرية والتمييز.
الهجرة من أفريقيا إلى إسرائيل عبر مصر
ووفقا لدراسة أعدها المركز الوطني النسائي في جامعة توفيز في نوفمبر 2010 فقد بدأت الهجرة الإفريقية عبر شبه جزيرة سيناء إلى إسرائيل بحثاً عن اللجوء والعمل منذ حوالي عام 2006، وشهد العام الذي يليه 2007 تزايداً في أعداد طالبي اللجوء. ومع نهاية عام 2010، وصلت أعداد اللاجئين الأفارقة في إسرائيل إلى 33،273 لاجئاً مقارنة بـ 17،000 عام 2008. وكان أعلى عدد للاجئين القادمين في نوفمبر 2010. وكان معظم القادمين الجدد قد فرّوا بلادهم التي تشهد أوضاعاً بائسة، ساعين للحصول على الحماية في إسرائيل. ويشكّل الأريتيريون والسودانيون والإثيوبيون أكبر جماعات من اللاجئين الأفارقة في إسرائيل.
في النصف الثاني من القرن العشرين، كانت ثمة زيادة كبيرة في عدد العمال غير الشرعيين المهاجرين من أفريقيا إلى إسرائيل الذين عبروا الحدود المصرية. ففي عام 2006، تم اعتقال 1000 من العمال غير الشرعين؛ وفى عام 2007 تم اعتقال 5000 عامل؛ وارتفع العدد إلى 8700 عام 2008 و5000 عام 2009، و في النصف الأول من عام 2010، ارتفع معدل الهجرة أكثر في الأشهر السبعة الأولى، إذ تم القبض على 8000 مهاجر غير شرعي.
المصريون أيضا هاجروا إليها بأعداد كبيرة بعد اتفاقية السلام والتى أبرمها الرئيس الراحل محمد أنور السادات مع إسرائيل، حيث تخيلوا أنها المهرب الوحيد من ضيق المعيشة هنا فى مصر.
وفي تقرير سنوى لدائرة الإحصاء المركزية في إسرائيل نشر عام 2007م، أعلن أن المصريين يمثلون 31% من نسبة العمالة المسلمة بالجيش الإسرائيلي يليهم الأردنيون ثم الفلسطينيون، وكان تقريراً صادراً عن المخابرات الإسرائيلية في نفس التوقيت ذهب إلي أن الجيش الإسرائيلي يعتمد على العمالة المصرية بشكل قوي لأنها أكثر إطاعة للأومر ولا تناقش ويحصل كل فرد منهم علي 20 دولار يوميا بالإضافة لوجبتين غذائيتين وأضاف التقرير أن هناك أكثر من عشرة آلاف مصري يعيشون داخل إسرائيل عامة ومتزوجون من إسرائيليات وأنجبوا أطفالاً يتوزعون في مدينتي بئر سبع وحيفا ونسبة قليلة منهم تقيم في تل أبيب، وأنه وفقا للإحصائيات فإن هناك حوالى 83 ألف مصرى بإسرائيل.
فيما صدرت دراسة رسمية عن الحكومة المصرية نشرت فى 2010م ، توضح أن هناك 21 ألف مصري متزوجين من إسرائيليات من بينهم 13 ألف يقيمون في إسرائيل بطريقة شرعية و1000 يقيمون بالمخالفة للقوانين، موضحة أن هناك ما لا يقل عن 7 آلاف مصري آخرين متزوجين من إسرائيليات ويعيشون خارج البلاد في دول أوروبا وأمريكا.
وفى العام 2014 كشفت قائمة رسمية بإجمالي عدد المصريين المسجلين في الخارج وتوزيعهم على دول العالم عن مفارقة، إذ أظهرت أن عدد المصريين المسجلين في إسرائيل والذين يحق لهم الاستفتاء على دستور بلادهم يبلغ 99 مصرياً، فيما يبلغ عدد المصريين المسجلين في فلسطين 80 صوتاً فقط , أى أن عدد المصريين بإسرائيل أكثر منه بفلسطين.
يذكر أن السلطات الإسرائيلية قتلت شابًا من اليهود الإثيوبيين يدعى “تاكا” مطلع الشهر الجاري، بسبب أنه ألقى حجرًا على جندي إسرائيلي هدد حياته، حسب تصريحات الشرطة الإسرائيلية، وأدى ذلك لاندلاع المظاهرات ضد السلطة الإسرائيلية، نتج عنها القبض على 80 لاجئًا إثيوبيًا.
والجدير بالذكر أن السلطات الإسرائيلية أصبح من حقها وفقًا لقانون التسلل الذي صدر في العام 2012، احتجاز اللاجئ -غير الشرعي- مدة تصل إلى 3 سنوات فور دخوله دون محاكمة أو إذن قضائي، يخرجون بعدها من السجن ليعيشوا فيما يطلق عليه المنطقة الرمادية، ويحصلون على تأشيرة «2، أ، 5»، تمنحهم تلك التأشيرة حماية مؤقتة من الترحيل تجدد كل 3 أشهر، لكن لا يحصلون على حق اللجوء، ليعيشوا بلا حقوق في التعليم أو الصحة أو العمل في أرض الميعاد.