قد يبدو عاديًا أن يقوم حسن راتب بتعيين محمد محمد محمود أبورويشد الشهير بـمحمدفودة مستشارًا إعلاميًا لجامعته “سيناء” نظرًا للعلاقة المركبة بين هذا الفاسد ورجل الأعمال، برغم ما في ذلك من انتهاك للقواعد والقوانين والأعراف التي تمنع توظيف من صدرت ضدهم أحكام مخلة بالشرف في مثل هذه الوظائف بل وفِي كثيرٍ غيرها، لكنه من غير العادي أن يصدر خالد الطوخي رئيس مجلس أمناء جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا قراره رقم 30 بتاريخ 8 أغسطس 2019 بتعيين “فودة” أيضًا مستشارًا إعلاميًا للجامعة، وقد كان بامكانه وبضغطة زر منه على محرك البحث “جوجل” أن يطلع على التاريخ الأسود للمذكور .
فما الحكاية إذن؟!
الحكاية وبحسب ما طالعته من أخبار وتقارير منشورة في الصحف أن ورثة الدكتورة سعاد كفافي مؤسسة ورئيس مجلس إدارة والعضو المنتدب لجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا قد اختلفوا فيما بينهم حول تركتها.
الدكتورة سلوى وشقيقها الدكتور خالد، أبناء الدكتورة سعاد يتنازعون ملكية أرض قيمتها 7 مليارات جنيه، تقول الدكتورة سلوى أنها ضمن ممتلكات الجامعة، ويسعى شقيقها خالد إلى فصلها عن هذه الممتلكات لصالحه.
فماذا فعل الدكتور خالد الطوخي رئيس مجلس أمناء الجامعة في هذا الصراع؟!
استعان بإمبراطور فساد الأراضي وملك الرشاوى محمد فودة، وعينه مستشاراً إعلاميًا للجامعة، وعبر هذه الصفة أو قل الصفقة يتدخل “فودة” لدى المسئولين بنفس الطريقة التي سبق وتدخل بها قبل سنوات في أرض أيمن الجميل، والتي انتهت الى حبسه، هو و “الجميل” ووزير الزارعة الاسبق صلاح هلال، في قضية فساد الزراعة الشهيرة، فاستفاد”الجميل” و “فودة” من نص مادة “شاهد الملك” في القانون التي تعفي المتهم من العقوبة إن هو كشف تفاصيل جديدة في القضية لم تتوفر لجهة التحقيق.
ورغم أن “فودة” هو الركن الرئيسي في قضية فساد وزارة الزراعة إلا ولأنه أجاد لعب هذا الدور من قبل، يورط المسئول في الرشوة فإن تمت بدون إزعاج، يكون له ما أراد، وإن لم تتم وكشفتها الأجهزة الرقابية يلعب دور شاهد الملك في التحقيقات، يعترف بكل شيء فيخرج هو من القضية كما تخرج الشعرة من العجين وينتهي الحال بالمسئول الكبير إلى الحبس.
هنا يجب أن نطرح السؤال المهم: ماذا يفعل “فودة” في جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا ؟
الظاهر والحاصل فعلًا أن صحف وإعلام ومواقع مصر كلها انضمت الى صف خالد الطوخي الذي اختار “فودة” مستشًارًا إعلاميًا له في جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا على حساب موقف شقيقته “سلوى” المغلوبة على أمرها في هذا الصراع.
لكن الاعلام لن يحسم بالطبع صراعًا على 7 مليارات جنيه بين شقيق وشقيقته، هنا يفرض هذا السؤال نفسه: هل ما حدث في السابق من محمد فودة في قضايا فساد الاراضي يمكن أن يحدث ثانيةً في قضية أرض جامعة سعاد كفافي؟! الإجابة في علم الغيب.
لكن ما هو معلوم للجميع أن محمد فودة يلعب نفس لعبته القديمة الجديدة، لعبة فساد الأراضي، عبر منصب اخترعه لنفسه ويتجول به على مكاتب المسئولين والوزراء، على الرغم من أنه لا يحمل من الشهادات إلا شهادة المؤهل المتوسط، ولم يكن يومًا ولن يكون عضوًا بنقابتي “الصحفيين” أو “الإعلاميين”.
ما يهمنا في هذا الطرح ليس فساد “فودة” المتكرر والمتواصل في ملفات الاراضي وغيرها إذ أن لهذا المجال جهاته المختصة، ما يهمنا هنا هو استخدام “فودة” للإعلام كسلاح في هذا الفساد، يرهب به المسئولين والضحايا على حدسواء، ما يهمنا هنا هي تلك النخبة المسئولة عن المنصات الاعلامية وترتبط بصداقة مع هذا الفاسد فتصفه بالإعلامي في توجيه مفضوح وداعم له- بقصد أو بدون قصد- في هذا الفساد، يحدث ذلك كله في صمت غريب من المجلس الأعلى للإعلام الذي يبارك بصمته ذلك الانحراف عندما لا يحرك ساكنًا تجاه “فودة” الذي حول الإعلام إلى وسيلة للتربح والفساد.
ما يهمنا هنا في هذه القضية وغيرها، أنه كم من الجرائم ترتكب باسم الاعلام، ومن خلاله، فتجد “فودة” مستشاراً إعلاميًا في موضوعات تنشرها له جريدة الأهرام وجريدة الاخبار وموضوعات أخرى تنشرها جريدة الوطن وجريدة الوفد، وأخبار وتقارير وحوارات تنشرها له جريدة اليوم السابع وجرائد و مواقع وفضائيات أخرى كثيرة.
محمد فودة هو الصديق الأقرب والمقرب من أسماء صحفية لامعة تنشر له ما أراد ومتى أراد وما يتبناه من مواقف وانحرافات لرجال أعمال وزعماء عصابات كانت وما تزال وظيفتهم الأساسية بالأمس واليوم وغدًا هي الاستيلاء على أراضي الدولة.
إن الأمر الذي أوشك أن يصيبني أنا وجيلي بالإحباط في هذا البلد هو ما يكرره “فودة” في جلساته-صدقًا أو كذبًا الله أعلم- من كلام عن أنه صديق مقرب من مسئول كبير، وأن هذا المسئول هو الذي يوفر له كل هذا الغطاء، إدعاء يساعده في ترديده أيضًا هذه العصابة الاعلامية التي تحوط بفودة، ومؤكد أنها حصلت وتحصل على جزء مما حصل ويحصل عليه، وإلا فما من تفسير لهذه الثروات التي تحققت لهؤلاء الاعلاميين في وقت قصير.
إن مجرد ترديد “فودة” لهذا الادعاء عن علاقته بالكبار في الدولة، والصمت على هذا الادعاء من أجهزتها، ثم وتركه يردد ذلك في كل جلساته وخلال لقاءاته بالمسئولين.. من دون حسيب أو رقيب، مع ما يصاحب ذلك من ظهور متكرر له بصحبة أسماء صحفية وإعلامية لامعة يحول هذا الصمت الذي في الغالب ما يكون فضيلة إلى جريمة، لأنه في مثل هذه الصمت تنمو الكائنات العفنة، وترتكب الكثير من الجرائم باسم الاعلام في هذا الوطن.
علينا أن نبحث في سر العلاقة الغامضة بين “فودة” وخالد صلاح رئيس تحرير اليوم السابع، وبينه وبين حسن راتب صاحب فضائية المحور، وبيته وبين مجدي الجلاد رئيس تحرير “مصراوي” وبينه وبين أحمد أبو هشيمة مؤسس وأول مالك لشبكة إعلام المصرين، وبينه وبين الكثير من إعلاميي الصف الثاني والثالث في الصحافة والإعلام.
إلى ماسبق وفِي إطاره فَقَدَ ويفقد الاعلام المصري كل يوم مصداقيته، لصالح الاعلام المعادي بأيدي من يتصدرون مشهده الآن، ويدافعون لا عن الوطن بل على مصالحهم المرتبطة بعلاقتهم مع القيادات الحاكمة الآن، فما يفعله “فودة” وعصابته من هز ثقة المصريين بالدولة ورجالاتها لا يقل عما يفعله الاعلام المعادي في الخارج… فمتى تستيقظون؟!
فاض الكيل