صباح يحمل رائحة الدم.. تنزف القلوب للإرهاب الذي أصاب ضاحية حلوان العريقة، أطل الشبح الأسود عليها ملتحفًا بملابس تبدو للوهلة الأولى أنها متوافقة مع شريعة الإسلام.. زي شرعي للنساء وجلابيب بيضاء للرجال، ذقون طالت، معلنة انتماء أصحابها لجماعة الإخوان المسلمين، والذين خرجوا وارتفعت أصواتهم بعد ترك الجماعة للعمل الثوري بميدان التحرير، متجهين للعمل السياسي في استفتاء مارس والذي أعلنوا فيه عبر مساجدهم أن «نعم» للتعديلات الدستورية تدخلك الجنة وتحافظ على الدين، ثم موافقتهم بعد ذلك على الانتخابات البرلمانية، وما تلاها من صعود قوي للدكتور محمد مرسي ممثل الجماعة، ليصبح أول رئيس مدني لجمهورية مصر العربية.. لكن من الإخوان.
تحولت منطقة حلوان من منتجع للنخبة ومدينة للباشاوات وأبناء الأثرياء والملوك وما تلاها من تحولها إلى مدينة صناعية «ناصرية»، لتصبح معقلا للإخوان، وأصبحت الضاحية من أشهر المناطق في احتضان الخلايا النائمة وأبناء الجماعة، وربما بعض عناصر الجماعات التكفيرية أيضًا، وبعد أن كان أبناء الجماعة لا يتعدى نشاطهم النشاطات الإجتماعية والطبية وبعض الدروس الدينية في الجمعية الإسلامية والمساجد التابعة لها، خرجوا بكل وضوح من مخابئهم بعد أن سيطروا بعد ثورة 25 يناير، على الكتلة البرلمانية بها، بانتخاب القيادى الإخواني على فتح الباب، والقيادي العمالي الإخواني رمضان عمر، نوابًا للدائرة 26 حلوان في برلمان 2012، بتصويت أكثر من نصف مليون صوت انتخابي، لتتدخل الجماعة بكل ثقلها في لعبة الانتخابات.
ولعل من أبرز الأسباب التي دعت أبناء الجماعة للسكنى بضاحية حلوان، أنها كانت مسكنًا سابقًا للمفكر والقطب الإخواني الكبير «سيد قطب» والذي سكن على بُعد أمتار قليلة من الحديقة اليابانية، في فيلا صغيرة أعدها له تلميذه المستشار محفوظ عزام، فكانت ملتقى يومي وأسبوعي لكل من اقتنع بفكر «قطب» أو انتمى له قبل إعدامه عام 1966م، كما أن ابتعاد الضاحية عن أعين رجال الأمن، وتشعب الجبال والمناطق الوعرة والعشوائية فيها، جعلها من أفضل المناطق لاستيعاب تواجدهم دون تهديد يومي من رجال الداخلية.
وبعد عزل الرئيس الراحل «مرسي» من رئاسة الجمهورية، خرجت التظاهرات المؤيدة «للشرعية» وعودته بشكل ملحوظ من منطقة حلوان، وظلت الاشتباكات تصاحب يوم الجمعة أسبوعيًا، لتنطبع صورة ذهنية لدى المصريين بأن حلوان مركزًا للجماعة، حيث تخرج أكثر من 10مسيرات أسبوعية تتمركز حول عدة مساجد أبرزها: مسجد الرحمة، والاستقامة بعرب غنيم، وأنصار السنة بكفر العلو، وخلفاء الرسول بالمشروع الأمريكي، والزهراء بالتبين، ومصطفى المراغي والحق بحلوان، ومسجد العزبة القبلية وعمر بن عبد العزيز وخالد بن الوليد بجوار مترو حلوان، والهدي بحدائق حلوان، وعمر بن الخطاب بالمعصرة، والنور والمسجد الكبير بمدينة 15 مايو، ومساجد التوفيقي والإسكان الصناعي ومغسلة يكن بالحديقة اليابانية، ومسجد العزبة البحرية أمام المدبح، وعمر بن الخطاب وعباد الرحمن والفردوس.
وشهدت المسيرات والتظاهرات، غالبية الأوقات، اشتباكات عنيفة بين أعضاء الجماعة وقوات الأمن والمواطنين، و-حسب آراء مختصين- فإن السبب الأول في تكدس الجماعات الإرهابية في حلوان هو الطبيعة البشرية والقبلية المتواجدة بها، حيث إن أغلب سكانها من المواطنين الذين يغلب عليهم الطابع والوازع الديني، وأيضا بُعد الضاحية عن مركز القرار بقلب القاهرة.
ولا تقتصر مجهودات الإخوان على المساجد فقط، بل امتدت إلى المستشفيات أيضًا، لنجد أساليب جديدة لجذب المواطنين للفكر الإخواني، من خلال «المستوصفات» والمراكز والمستشفيات الطبية المختلفة والتي تقدم خدمات للمرضى مجانًا أو بأسعار مخفضة، لتنافس أسعار المستشفى الحكومي العام في بعض الأوقات، أو تقدم خدمة طبية ممتازة حتى لو بأسعار مرتفعة لكنها «مضمونة» – كما أشيع بين الأهالي- مثل التي توجد بمستشفيات الهدي الإسلامي و الشركة العلمية الدولية للخدمات الطبية (مستشفى أمان)، المملوكة إلى عبد الله محمد على قاعود، ومحمد عبد الحميد أحمد لطفي الفقي، وشريف مجدي محمد شعيب، وهناك أيضًا مستشفيات حلوان للعيون، واليسر بالمعصرة، والشهيد بحلوان.
وقد تحفظت الدولة على بعض المستشفيات بعد عزل «مرسي»، بصدور لجنة «حصر أموال الإخوان» بوزارة العدل، مبررة قرار التحفظ بأن هذه المراكز خصصت لعلاج الإرهابيين، الذين تمكنوا من الهرب سواء في المظاهرات، أو المصابين في العمليات الإرهابية، كما أن مصادر الأموال التي تأسست من خلالها غير معروفة.
وفي تطور جديد، ظهر يوم 15 أغسطس 2014، مقطع فيديو تم بثه عبر مواقع اجتماعية على الإنترنت، ظهر فيه 12 ملثما مسلحًا يرتدون ملابس أشبه بملابس تنظيم داعش في سوريا والعراق، أطلقوا على أنفسهم لقب «كتائب حلوان»، وأعلنوا أنهم كرهوا سلمية الإخوان وسيقومون بالتصعيد حتى عودة الدكتور محمد مرسي للحكم، وهي أول كتائب مسلحة تابعة للجماعة، تضم مجموعة من شباب الإخوان المشاركين في اعتصام رابعة، إضافة إلى عناصر جهادية وتكفيرية، شاركت في أحداث العنف عقب فض رابعة والنهضة.
وتوالت العمليات الإرهابية، التي نفذتها العناصر الإرهابية داخل الضاحية الجنوبية، نذكر منها بالتواريخ..
حاول أحد العناصر الإخوانية في 17 يناير 2014، تفجير قنبلة بدائية الصنع على الأمن المركزي بحلوان، فلم يستطع تفجيرها، بعدما فاجئه أحد الضباط برصاصة استقرت بساقه اليسرى، مما جعل توازنه يختا وانفجرت به، وفي 2 نوفمبر من نفس العام، زرع شخص قنبلة في المترو الذي يحمل رقم 498، القادم من حلوان في طريقه للمرج، حيث نتج عن الحادث إصابة 3 أشخاص.
توالت الانفجارات، ففي 5 يونيو 2015، ترقبت بعض العناصر الإرهابية منزل ضابط من رجال الشرطة، وقامت بزرع قنبلة بداخل حقيبة سيارته بحلوان، مما أسفر عن إصابة مواطن وتفحم 5 سيارات كانت بالقرب منها، وقامت عناصر إرهابية بزرع 5 قنابل في 8 فبراير 2016، انفجرت في أوقات متقاربة، مما أثار الذعر، وأدت تلك الانفجارات إلى إصابة شخصان، وتدمير 6 محلات، ونالت مدرسة نصيبها من تلك الانفجارات.
وفي هذا الصدد، قال أحد المنشقين عن الجماعة من أبناء حلوان –رفض ذكر اسمه خوفًا على حياته-، إن حلوان معقلًا للإخوان والسلفيين منذ سنوات طويلة، وليس الأمر مستحدث بعد الثورة أو صعود الدكتور “مرسي” للحكم، مضيفًا أن السلفيين كان لهم الدور الأكبر من خلال توغلهم بالمساجد وتقديمهم لدروس العلم، وتواجدهم بالجمعية الشرعية، أما الإخوان فكانت لهم صلات مباشرة بالنقابات العُمالية ومن المعروف أن حلوان مدينة صناعية في المقام الأول، و بها كتلة كبيرة من العمال.
وأوضح أن نشاط الإخوان اقتصر قبل الثورة على النشاطات الخيرية من خلال جمعية “رسالة”، ونشاطات سياسية مهدت لفوزهم بكرسيين في برلمان ما قبل الثورة، مؤكدًا أن حلوان تتكون من تجمعات أغلبها «عائلية»، وغالبتيهم قدموا من صعيد مصر، وتربطهم رابطة القبلية و التكتلية، لذا من السهل جذبهم لمرشح بعينه وهو ما يبرع فيه الإخوان.
وأشار الإخواني المنشق إلى أن هناك بعض العائلات في حلوان والمعروفة بإنتماء غالبية أفرادها للجماعة أو وجود تقارب فكري بينها وبينهم، أبرزها عائلة «عزام» والتي لديها كتلة تصويتية كبيرة، وصلة تاريخية بالجماعة من زمن سيد قطب وحسن البنا، كما توجد عائلات مثل «الحمادية» ومقرهم الرئيسي في منطقة عرب غنيم، وعملوا على الحشد وتمويل المسيرات، وعائلة «السلمانية» ومقرها حلوان البلد وساعدوا في الحشد العيني وجذب أشخاص للمسيرات بمقابل مادي، وغيرها من العائلات المؤيدة قولا وفعلا لمواقف الجماعة، والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بعائلات مراكز الصف وأطفيح والشوبك وعرب أبو ساعد وعرب الحصار.
وحذّر الإخواني المنشق من توغل الفكر الإخواني بين عمال المصانع والشركات، رغم محاولات التصفية الحكومية لبعضهم أو نقلهم، ناصحًا: «إذا أردتم محاربة الإخوان، فلتبدءوا من المساجد والمصانع»، مؤكدًا أن شعبية الإخوان تراجعت بشدة في 2018، وأصبح لدى المواطنين وعي كبير تجاه ما يبثونه من أفكار.
ليبقى السؤال: هل تستمر فلول الإخوان في تمركزها بالضاحية الجنوبية، أم سيأتي اليوم الذي تفقد فيه الجماعة سيطرتها على المنطقة كاملة؟