كنتُ قد حدثتكم الأسبوع الماضي عن استدعاء صدر لي من المجلس الأعلى للإعلام، دون أن يفصح موظف المجلس الذي أبلغني بهذا الاستدعاء عن سببه أو موضوعه، ولا عن أي مقالٍ كتبته أو أي قضية صحفية تناولتها في الفترة الأخيرة، خاصة وأن قضايا عدة حساسة تناولتها مؤخرًا ويحتمل أن تكون أي منها موضوع هذا الاستدعاء.. هل ما كتبته عن الأموال الحرام التي تدخل جيب أسامة هيكل وزير الإعلام؟ أم ملف فساد الإعلام برُمّته والذي تناولت فيه أسماء وجهات مؤثرة مسئولة عنه؟ أم أن الأمر يخص سلسة مقالات عن الإعلامي المزيف وامبراطور الفساد محمد فودة بطل قضايا الرشوة الشهيرة وعصابته في الصحافة والإعلام.. والذي سبق وأن تناولتُ فيها بالإشارة علاقة “فودة” بالأمين العام للمجلس الأعلى للإعلام؟
لم يرد المجلس أن يبلغني بطبيعة الأمر المُستدعى من أجله، غير أنه في اللقاء الذي كان محددًا له الثلاثاء 24 مارس الماضي، تبين أن الاستدعاء يخص الاحتمال الأخير.. علاقة الأمين العام للمجلس الأعلى للإعلام بإمبراطور الرشوة وبطل قضايا الفساد الكبرى في مصر محمد فودة.
في هذا اللقاء الذي حضره عدد من أعضاء المجلس بالإضافة إلى الأمين العام فُتح النقاش حول صورة وشكل المجلس فيما كتبته.. أولًا كضامن لحرية الرأي والتعبير، وثانيًا كحامي لحقوق القراء والمشاهدين، وثالثًا وهو الهدف الذي لأجله صدر قرار الاستدعاء.. صورة وشكل المجلس أمام المصريين، خاصة وأنني أشرتُ في مقالي الأخير إلى أن يد “فودة” امتدت حتى وصلت بنفوذها إلى داخل المجلس الأعلى للإعلام، فأرادوا أن يستوضحوا مني وأن يوّضحوا لي بعض النقاط.
كانت إشارتي إلى الأمين العام للمجلس الدكتور عصام فرج أنه يعمل استاذاً في كلية الإعلام بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا التي يعمل محمد فودة في نفس الوقت مستشارًا إعلاميًا لها ولرئيسها وصاحبها خالد الطوخي، وقلتُ أن هذه العلاقة كانت كفيلة بأن تجعل الشكاوى المقدمة للمجلس الأعلى للإعلام ضد “فودة” مكانها الدرج، لن تبرحه ما دامت هذه التشابكية موجودة بين الدكتور عصام فرج كأمين عام للمجلس الأعلى للإعلام وبين الدكتور عصام فرج كاستاذ للإعلام بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا وتأثيرها على الشكاوى المقدّمة ضد محمد فودة إلى المجلس ولم يتم البت فيها برغم مرور عدة أشهر على تقديمها، كما وأثر ذلك على صورة وموقف المجلس كسلطة دستورية مستقلة بالبلاد أمام الشعب.
للحقيقة كان أعضاء المجلس الأعلى للإعلام في قمة الرقي والتحضر وهم يناقشون إشكالية الفصل بين عمل الأمين العام الدكتور عصام فرج بالمجلس وعمله بالجامعة بصورة حرصوا فيها على إزالة أي لبس أو شكوك عندي من أي تأثير لهذه العلاقة بين الدكتور عصام فرج ومحمد فودة.
قد ساءهم عدم لجوئي إلى سؤالهم قبل النشر لتوضيح الصورة، التي قالوا فيها أن عمل الأمين العام سواء في المجلس أو في لجنة الشكاوى هو عمل تنظيمي بحث لا يتدخل معه إطلاقًا في القرار، وأن الشكاوى التي وصلت إلى المجلس ضد محمد فودة ما تزال محل تحقيق..! لأنها ترتبط بعدة جهات من بينها مصلحة الشركات والشهر العقاري والشركاء أصحاب الجريدة التي يعمل بها محمد فودة، كما انه ليس من دورهم أبدًا حرمان كائن من كان من الكتابة أو إبداء الرأي، سواء بالقول أو بالكتابة، وهي حقوق يتمتع بها محمد فودة وغيره من جموع المصريين طالما كانت في الأطر المشروعة التي ينظمها الدستور والقانون.
وأكدوا في الوقت ذاته على أن المجلس يحمي حرية الرأي والتعبير بنفس القدر الذي يحمي فيه حقوق المشاهدين والمستمعين والقراء.
من جهته اكد الدكتور عصام فرج أنه لم يسبق أن التقى فودة في حياته، وأن عمله بالجامعة لا يتداخل مع عمل فودة من قريب أو بعيد، كما انه يعمل بهذه الجامعة منذ 20عامًا مضت، في حين أن علاقة فودة بالجامعة لا تتجاوز عدة شهور، وأنه بحكم موقعه في المجلس الأعلى للإعلام يهمه أن يصل إلى وجداني ووجدان كل من يعمل بحقلي الصحافة والإعلام الاطمئنان الكامل بأنه لديه تاريخ في خدمة الصحافة والصحفيين ويحرص عليه ناصعًا، لذلك كان به ما بالمجلس ولجنة الشكاوى من الحرص على إزالة أي لبس في هذا الموضوع.
إلى ما سبق وفي إطاره واستمرارًا لموقفي ضد توغل وامتداد نفوذ الإعلامي المزيف وامبراطور الرشوة بطل قضايا الفساد الأشهر في مصر محمد فودة إلى داخل المطبخ الصحفي والإعلامي في البلاد وامتداد أصابعه إلى “اليوم السابع” و “الدستور” و “الأخبار” و “أخبار اليوم” و “الأهرام” و “الوفد” و “صوت الأمة” و “دار الهلال” و “دار التعاون” و “المساء” و”الجمهورية” وإلى “المركز الإعلامي بالتليفزيون” و إلى “شركات الإعلانات الكبرى” وإلى “نقابة الإعلاميين” و ” قناة المحور” و ” الحدث” والعديد من حقول الميديا في مصر اضع بين ناظريكم اليوم كارثة جديدة من كوارث عصابة محمد فودة في الإعلام، الكارثة ليست كأي كارثة سبقت، الكارثة هذه المرة تمس صحة المصريين وسلامتهم، وتمس سمعة مصر في ملف الكورونا.
فما من شك أن مستشفى سعاد كفافي التابعة لجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا التي يعمل محمد فودة مستشارًا إعلاميا لها هي صرح طبي له أهميته في مدينة 6 أكتوبر قبل وأثناء الأزمة التي أحدثها فيروس كورونا الذي ضرب كوكب الأرض بجهاته الأربع، لكن وهي كذلك ما كان يجب أن يخرج علينا إعلام محمد فودة ليرسم صورة وردية عنها بعد الكارثة الأخيرة التي حدثت بها حول مريض مصاب بفيروس كورونا داخل العناية المركزة بالمستشفى وتسبب في العدوى لثلاثة من طاقم الأطباء والتمريض، واحدثت اصابته حالة من الهلع والذعر لروادها سواء في قسم الطوارئ أو النزلاء العاديين الذين يتلقون العلاج بأقسامها المختلفة.
وكانت جريدة الشروق قد نشرت على موقعها الرسمي خبرًا حول إصابة 3 أفراد (أطباء وتمريض) في إحدى مستشفيات مدينة 6 اكتوبر الخاصة ممن باشروا حالة أحد المرضى الذي تبين أنه مصاب بكورونا، وتم نقلهم إلى مستشفى النجيلة في مطروح، وحرصت “الشروق” على عدم ذكر اسم المستشفى ثم ما لبثت أن ذكرت اسمها بالتفصيل في خبر لاحق بعدما أكدته وزارة الصحة.
إلى هنا والأمور تبدو عادية، لكن من غير العادي هو نشر مواقع “اليوم السابع” و “الوفد” و “الأخبار” و “الدستور” ومواقع أخرى كثيرة يمول محمد فودة أفرادًا فيها بخبر واضح وصريح تنفي جميعها اكتشاف أي حالات للكورونا بالمستشفى، وهو الخبر الذي نشرت عكسه جريدة الشروق، استنادًا إلى مصادرها في وزارة الصحة التي اكدت من جهتها وبشكل رسمي وجود حالة إيجابية كانت تتلقى العلاج فيها وتسببت في إحداث العدوى لـ 3 أفراد من طاقم المستشفى الطبي وتم نقلهم أجمعين إلى مستشفى النجيلة.
الخبر على براءته في جريدة الشروق يكشف أمرًا في غاية الخطورة حول مدى سلامة الإجراءات المتبعة في الوقاية والعزل بمستشفى سعاد كفافي التي يعمل محمد فودة مستشارًا إعلاميًا لصالحبها والتي تسببت في إصابة 3 من طاقمها الطبي لعدم اتباع الإجراءات المتبعة في الوقاية، وهي إجراءات يبدو أن وزارة الصحة قد وقفت عندها جيدًا لكنه لم يُعرف بعد طبيعة هذه الوقفة ولا القرارات التي صدرت عنها.
جدير بالذكر أن محمد فودة كان قد سبق وشن حملة ضد وزيرة الصحة في ملفات متعددة، وعند اتصال الوزارة به يمكن له أن يبحث معها إتمام إجراءات الترخيص المعطلة لمستشفى سعاد كفافي، وهو ما لم يحدث، لا الوزيرة اتصلت، ولا اجراءات الترخيص استكملت، لأسباب أخرى كثيرة ليس مجالها الآن
اكتشاف حالات كورونا في مستشفى “كفافي” ومحاولة فريق فودة التعتيم عليها كشف عورة الفريق الإعلامي الذي يعمل تحت إمرة محمد فودة في صحف “اليوم السابع” و “الوفد” و “الدستور” و “أخبار اليوم” و “دار المعارف” و “الجمهورية” ومواقع وصحف مصرية أخرى كثيرة نشرت جميعها وبالتوازي مع بعضها البعض خبر إنكار مدير مستشفى “كفافي” وجود حالات كورونا بالمستشفى، في نفس التوقيت الذي أكدت فيه جريدة الشروق وجود حالات إصابة بل وحالات عدوى بالمستشفى والأخيرة هي الكارثة، لأن وجود حالات عدوى بالمستشفى معناه عدم اتخاذها الإجراءات المتبعة في الوقاية وتلك كارثة كبرى.
العصابة بعد أن رأت أن الإنكار لم يعد يفيد في قضية الكورونا وقد نشرت جريدة الشروق الحقيقة كاملة بلا زيف أو تجميل اشاروا على صاحبها خالد الطوخي بضرورة الاعتراف بالحقيقة، وأن المستشفى فعلًا بها إصابات كورونا، وأن خطتهم يجب تعديلها من الإنكار إلى التجميل، حفاظًا على سمعة وصورة المستشفى أن يُقال أنها لا تراعي الاعتبارات اللازمة في الوقاية من العدوى خاصة في مثل هذا الظرف الحساس، لكن ماذا سيفعلون فيما نشروه في قبل وقد نفوا جميعًا وبشكل قاطع ظهور حالات كورونا بالمستشفى؟
انتهي القرار بعد التشاور فيما بينهم إلى حذف فيديو قناة المحور الذي نفت فيه القناة بشكل قاطع وجود إصابات بالمستشفى، وهو الفيديو الذي نقلت عنه الصحف بشكل منظم تحت إشراف محمد فودة نبأ خلو المستشفى من أي إصابات بالكورونا، حذفوا الفيديو من على ي”يوتيوب” لكن الأخبار بالمواقع جميعها بقيت على حالها من دون حذف، لكنه حين تدخل لقراءة خبر نفي وجود إصابات بالمستشفى ستجد ان الفيديو المرفق بالخبر والذي استندت له المواقع في نفي وجود اصابات كورونا في المستشفى تم رفعه من على يوتيوب، وهو خبر قناة المحور التي يعمل “فودة” أيضًا مستشارًا إعلاميًا لها.
أعرف ان الصحف التي أتحدث عنها الآن ستحاول محو أو إزالة هذه الروابط الفضيحة من على مواقعها، على أنني وقبل كتابة هذا المقال حفظت على جهازي صورًا كاملة من الخبر المنسوخ نصًا في جميع هذه المواقع، هذا فضلًا عن جوجل الذي وإن محوا من مواقعهم روابط هذا الخبر فإنه مشكورًا سيحتفظ بنسخة مخبأه.. شكرًا جوجل.
القضية جدًا خطيرة، وسبق وأن قلنا هنا أكثر من مرة أن الفساد في الإعلام يهدد الأمن القومي، ويهدد السلم والأمن الاجتماعيين، وما حدث في واقعة كورونا ومستشفى سعاد كفافي وعصابة الإعلاميين الذين يحركهم محمد فودة في الصحف والفضائيات لهو خير دليل على ذلك.
على إنني هنا أؤكد ما سبق وأشرتُ اليه بالتلميح أن محمد فودة وعصابته يلوكون ألسنتهم في المجالس العامة والخاصة عن علاقة قوية بين محمد فودة ومسئول سيادي كبير في الدولة، وهي العلاقة التي أعلم جيدًا عدم صدقها، بل وعد منطقيتها، إلا أن عدم اتخاذ الدولة ومؤسساتها موقف واضح من فودة برغم كل ما سبق ونشرته هنا في هذه الزاوية يصب في صالح ترسيخ هذه المزاعم عند قطاع عريض من المسئولين، يهابون الاقتراب من عميد الفساد في مصر.
إن هكذا إعلام تسيطر عليه عصابة محمد فودة التي ثبت وبالتجربة فشلها في مواجهة مجرد كومبارس أطلق مزاعمه عبر تليفون محمول من خارج البلاد لا يمكن أبدًا أن يتم الاعتماد عليها في تأمين الجبهة الداخلية للبلاد، خاصة في هذا الظرف الحساس، إن المسئول عن ملف الإعلام وهو يؤجل شهرًا بعد شهر حملة تطهيره إنما يُعرّض أمن مصر الداخلي للخطر، فلم يعد من المحتمل إطلاٌقًا أن يشتغل عبد الفتاح السيسي مذيعًا وصحفيًا وكاتبًا إلى جوار عمله رئيسًا للجمهورية حتى يتصدى بنفسه للشائعات أو أن يتحمل منفردًا توصيل الرسالة الإعلامية للدولة إلى الجمهور لمجرد أن الشعب قد يئس من الإعلاميين والصحفيين المتصدرين للمشهد منذ عصر مبارك وحتى الآن ولم يعد يصدقهم ويصدق فقط الرئيس، فإذا كان الحال كذلك مرضيًا لمن يمسكون ملف الإعلام فلماذا إذن تخصم الدولة من ميزانيتها العامة عدة مليارات من الجنيهات كل عام للصرف على هذا الإعلام الموبوء؟!